الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5280 - حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين قال : كانت العضباء لرجل من بني عقيل أسر ، فأخذت العضباء منه ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ، على م تأخذوني ، وتأخذون سابقة الحاج ، وقد أسلمت ؟

                                                        فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : آخذك بجريرة حلفائك ، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة .

                                                        فقال : يا محمد ، إني جائع فأطعمني ، وظمآن فاسقني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه حاجتك .

                                                        ثم إن الرجل فدي برجل ، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله
                                                        .

                                                        [ ص: 262 ] قال أبو جعفر : فهذا الحديث مفسر ، قد أخبر فيه عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بذلك المأسور بعد أن أقر بالإسلام ، وقد أجمعوا أن ذلك منسوخ ، وأنه ليس للإمام أن يفدي من أسر من المسلمين ، بمن في يديه من أسرى أهل الحرب الذين قد أسلموا ، وأن قول الله تعالى : فلا ترجعوهن إلى الكفار ، قد نسخ أن يرد أحد من أهل الإسلام إلى الكفار .

                                                        فلما ثبت بذلك ، وثبت أن لا يرد إلى الكفار من جاءنا منهم بذمة ، وثبت أن الذمة تحرم ما حرمه الإسلام من دماء أهلها وأموالهم ، وأنه يجب علينا منع أهلها من نقضها والرجوع إلى دار الحرب ، كما يمنع المسلمون من نقض إسلامهم والخروج إلى دار الحرب على ذلك ، وكان من أصبناه من أهل الحرب ، فملكناه صار بملكنا إياه ذمة لنا ، ولو أعتقناه لم يعد حربيا بعد ذلك ، وكان لنا أخذه بأداء الجزية إلينا ، كما نأخذ بسائر ذمتنا ، وعلينا حفظه ، مما يحفظهم منه ، وكان حراما علينا أن نفادي بعبيدنا الكفار الذين قد ولدوا في دارنا ، لما قد صار لهم من الذمة .

                                                        فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هذا الحربي إذا أسرناه ، فصار ذمة لنا ، وقع ملكنا عليه ، أن يحرم علينا المفاداة به ، ورده إلى أيدي المشركين .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة رحمة الله عليه .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية