الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في الكلام على «هوى» :

                                                                                                                                                                                                                              السمين : «العامل في «إذا» إما فعل القسم المحذوف وتقديره : أقسم بالنجم وقت هويه» . قال أبو البقاء وغيره : «وهو مشكل ، فإن فعل القسم إنشاء ، والإنشاء حال . و«إذا» لما يستقبل من الزمان ، فكيف يتلاقيان؟ . [ ص: 30 ]

                                                                                                                                                                                                                              الطيبي نقلا عن المقتبس : «الوجه أن «إذا» قد انسلخ عنها معنى الاستقبال ، وصار للوقت المجرد ، ونحوه : آتيك إذا احمر البسر ، أي وقت احمراره ، فقد عري عن معنى الاستقبال لأنه وقت الغيبة عنه ، بقوله : آتيك» .

                                                                                                                                                                                                                              قال الشيخ عبد القاهر : «إخبار الله تعالى بالمتوقع مقام الإخبار بالواقع ، إذ لا تكلف فيه ، فيجري المستقبل مجرى المحقق الماضي» .

                                                                                                                                                                                                                              السمين : «وإما مقدر على أنه حال من النجم ، إذ أقسم به حال كونه مستقرا في زمان هويه . وهو مشكل من وجهين : أحدهما : أن النجم جثة والزمان لا يكون حالا عنها ، كما لا يكون خبرا ، الثاني : «إذا» للمستقبل ، فكيف تكون حالا؟ .

                                                                                                                                                                                                                              وأجيب عن الأول : المراد بالنجم القطعة من القرآن ، والقرآن نزل منجما في عشرين سنة . وهذا تفسير ابن عباس وغيره . وعن الثاني : بأنها حال مقدرة ، وأما العامل فهو نفس النجم الذي أريد به القرآن ، قاله أبو البقاء . وفيه نظر لأن القرآن لا يعمل في الظرف ، إذا أريد به أنه اسم لهذا الكتاب المخصوص . وقد يقال إن النجم بمعنى المنجم كأنه قيل : والقرآن المنجم في هذا الوقت» .

                                                                                                                                                                                                                              المصباح : هوى يهوي من باب ضرب هويا بضم الهاء وفتحها ، وزاد ابن القوطية هواء بالمد ، سقط من أعلى إلى أسفل قاله أبو زيد وغيره» . قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                              فشج بها الأماعز وهي تهوي هوي الدلو أسلمها الرشاء

                                                                                                                                                                                                                              يروى بالفتح والضم .

                                                                                                                                                                                                                              الراغب : «الهوى سقوط من علو» . ثم قال : «والهوي ذهاب في انحدار والهوي ذهاب في ارتفاع» . وقيل : «هوى في اللغة مقصده السفل أو مصيره إليه وإن لم يقصده» . وقال أهل اللغة : هوى بفتح الواو يهوي هويا سقط من علو ، وهوى يهوى هوى أي صبا .

                                                                                                                                                                                                                              القرطبي : هوى وانهوى فيه لغتان بمعنى وقد جمعهما الشاعر في قوله : .


                                                                                                                                                                                                                              وكم منزل لولاي طحت كما هوى     بأجرامه من قلة النيق منهوي

                                                                                                                                                                                                                              النيق بكسر النون المشددة أرفع موضع في الجبل .

                                                                                                                                                                                                                              الإمام الرازي : «الفائدة في تقييد القسم بالنجم بوقت هويه أنه إذا كان في وسط السماء بعيدا عن الأرض لا يهتدي به الساري ، لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال : فإذا زال تبين بزواله ، وتميز جانب عن جانب ، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم خفض جناحه [ ص: 31 ] للمؤمنين ، وكان على خلق عظيم وخص الهوي دون الطلوع لعموم الاهتداء به في الدين والدنيا . أما الدنيوي فلما ذكر ، وأما الديني فكما قال الخليل صلى الله عليه وسلم لا أحب الآفلين [الأنعام : 76] وفيه لطيفة وهي أن القسم بالنجم يقتضي تعظيمه ، وقد كان من المشركين من يعبده ، فنبه بهويه على عدم صلاحيته للإلهية ، وهويه أفوله .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية