الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشر : في الكلام على قوله تعالى : فاستوى ، وهو بالأفق الأعلى : [النجم : 6- 7] .

                                                                                                                                                                                                                              اللباب : «قال مكي : استوى يقع للواحد وأكثر ما يقع من اثنين ولذلك جعل الفراء الضمير لاثنين» .

                                                                                                                                                                                                                              الماوردي والقرطبي : «فاستوى» يعني جبريل أي ارتفع وعلا إلى مكانه في السماء ، بعد أن علم محمدا صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن المسيب وابن جبير . وقال الإمام : «إنه المشهور» ، وقيل «فاستوى» أي ظهر في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ، لأنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي إلى الأنبياء ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه التي خلقه الله عليها ، فأراه نفسه مرتين : مرة في الأرض ومرة في السماء ، فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بحراء ، فطلع له جبريل من المشرق ، فسد الأرض إلى المغرب ، فخر النبي صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه ، فنزل إليه في صورة الآدميين وضمه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه ، فلما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ياجبريل ما ظننت أن الله تعالى خلق أحدا على مثل هذه الصورة» . فقال : يا محمد ، إنما نشرت جناحين من أجنحتي وأن لي ستمائة جناح سعة كل جناح ما بين المشرق والمغرب . فقال : «إن هذا لعظيم» .

                                                                                                                                                                                                                              فقال له : وما أنا في جنب ما خلقه الله إلا يسيرا ، ولقد خلق الله تعالى إسرافيل له ستمائة جناح ، كل جناح قدر أجنحتي ، وإن . [ ص: 40 ]

                                                                                                                                                                                                                              ليتضاءل أحيانا - يتضاءل بالضاد المعجمة والهمز- من مخافة الله تعالى حتى يكون بقدر الوصع-
                                                                                                                                                                                                                              بفتح الواو والصاد وبالعين المهملتين ، يعني العصفور الصغير ، قوله تعالى : ولقد رآه بالأفق المبين [التكوير : 23] .

                                                                                                                                                                                                                              وأما في السماء فعند سدرة المنتهى ، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              ابن كثير : «وهذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء ، بل قبلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض في أوائل البعث بعد فترة الوحي» .

                                                                                                                                                                                                                              اللباب : «في الضمير وجهان : أحدهما : وهو الأظهر أنه مبتدأ ، «وبالأفق» خبره ، والضمير لجبريل أو للنبي صلى الله عليه وسلم . ثم في هذه الجملة وجهان : الأول : أنها حال من فاعل «فاستوى» قاله مكي . قال القرطبي : والمعنى فاستوى جبريل عاليا على صورته ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك رآه عليها حتى سأله إياها على ما ذكرنا» ، انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              «الثاني : أنها مستأنفة ، أخبر الله تعالى بذلك ، ثانيهما : أن «وهو» معطوف على الضمير المستتر في استوى . وضمير استوى إما أن يكون لله تعالى وهو قول الحسن ، أو لجبريل أو لمحمد ، وهذا ضعيف ، لأنه يقال استوى هو وفلان ولا يقال استوى وفلان إلا في ضرورة الشعر ، والصحيح استوى جبريل و جبريل بالأفق الأعلى على صورته الأصلية لأنه كان يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بالوحي في صورة رجل ، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يراه على صورته الحقيقية فاستوى جبريل في أفق المشرق فملأ الأفق» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي ، وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته ، له ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأفق وتسقط من أجنحته التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن ابن عباس في الآية قال : سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أن يراه في صورته ، فقال : ادع ربك ، فدعا ربه عز وجل ، فطلع عليه سواد من قبل المشرق ، فجعل يرتفع وينتشر ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم صعق ، فأتاه فقرب منه ومسح الغبار عن وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              المصباح : «الأفق بضمتين الناحية من الأرض ومن السماء والجمع آفاق ، زاد في الصحاح : والأفق بضمة فسكون مثل عسر وعشر» .

                                                                                                                                                                                                                              الماوردي : «في الأفق الأعلى ثلاثة أقوال : أحدها : مطلع الشمس قاله مجاهد ، الثاني :

                                                                                                                                                                                                                              هو بالأفق الذي يأتي منه النهار قاله قتادة يعني طلوع الفجر ، الثالث : هو أفق السماء وهو جانب من جوانبها ، قاله ابن زيد ، ومنه قول الشاعر . [ ص: 41 ]


                                                                                                                                                                                                                              أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع



                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية