الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
م2 - واختلفوا: في السبب الذي يملك به الأولياء القسامة.

فقال أبو حنيفة: الموجب للقسامة وجود القتيل في موضع هو في حفظ قوم أو حمايتهم، المحلة والدار ومسجد المحلة والقرية فإن القسامة على أهلها لكن القتيل اسم لميت به أثر من جراحة أو ضرب أو خنق فهذه صفة القتيل الذي يجب فيه القسامة ولو كان الدم يخرج من أنفه و دبره فليس بقتيل، ولو خرج من أذنه أو عينه فهو قتيل، وفيه القسامة أن يقول المقتول دمي عند فلان عمدا، ويكون المقتول بالغا مسلما حرا، وسواء كان فاسقا أو عدلا ذكرا أو أنثى أو يقوم لأولياء المقتول شاهد واحد، واختلف أصحابه في اشتراط العدالة في الشاهد فقال ابن القاسم: من شرطه أن يكون عدلا، وقال أشهب: ليس من شرطه العدالة بل يقبل قوله وإن كان فاسقا.

وفي المرأة، فروى ابن القاسم أنه لا تقبل شهادة المرأة في ذلك، وقال أشهب: بل تقبل [ ص: 243 ] ومن الأسباب الموجبة للقسامة عنده من غير خلاف عنه أن يوجد المقتول في مكان خال من الناس وعلى رأسه رجل حامل السلاح مختضب بالدماء، وكذلك إذا أشهد شاهدان بالجراح ثم أكل وشرب وعاش بعد ذلك ثم مات فكل ذلك يوجب القسامة عنده.

وقال الشافعي: السبب للقسامة اللوث، واللوث عنده: أن يرى قتيل في محلة وبينه وبينهم عداوة ظاهرة لا يشارك أهل القرية أو المحلة غيرهم فإن ذلك لوث بهذين الشرطين فمتى عدم أحدهما لم يكن لوثا، ومنه أن يدخل نفر إلى دار فيتفرقون عن قتيل فإن ذلك لوث سواء كان بينه وبينهم عداوة ظاهرة أو لم تكن. ومنه أن يزدحم الناس في موضع كالطواف ودخول الكعبة أو على مصنع أو في باب ضيق فيوجد فيهم قتيل، ومن ذلك أن يوجد في صحراء رجل مقتول بالجراح وبقربه رجل معه سلاح أو سكين والدم على سلاحه أو ثوبه وليس إلى جنبه غيره، أو أثر، ومعنى ذلك أن لا يرى بقربه سبع أو يرى أثر الدم في غير طريق ذلك الرجل، ومن ذلك أن يكون بين طائفتين من المسلمين قتال فيوجد قتيل إذا انكشفوا فإنه إن كان بين الطائفتين التحام قتال فاللوث على غير طائفته وإن لم يكن بينهم التحام قتال فكان بحيث يبلغ السهام يترامون، وكذلك أيضا إن كان بينهم بعد ولا يبلغ السهام، فاللوث على طائفة، ومن ذلك أن يشهد شاهد عدل أن فلانا قتله، وإن شهد عبيد أو نساء جماعة كان ذلك لوثا أيضا، وفي اشتراط بفرق النساء والعبيد في الشهادة لأصحابه وجهان، وإن شهد بذلك صبيان وفساق أو كفار فلأصحابه فيه خلاف.

وقال أحمد: لا يحكم بالقسامة إلا أن يكون بين المقتول والمدعى عليه لوث .

واختلفت الرواية عنه في اللوث، فروي عنه أن اللوث هو العداوة الظاهرة والعصبية خاصة كما بين الشراة والمسالحة وبين القبائل إذا طالب بعضهم لبعض بالدم، وما بين أهل البغي وأهل العدل، وهي اختيار عامة أصحابه، ونقل عنه الميموني أذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ وإذا كان سبب بين وإذا كان ثم عداوة وإذا كان مثل الذي ادعى عليه بفعل هذا.

ونقل عنه ابن منصور في دار بين مكاتب ومدبر وأم ولد وجد فيها قتيل يقسمون فظاهر هذا أن اللوث وجود سبب يوجب عليه الظن أن الأمر على ما ذكره المدعي مثل أن يوجد مقتول في صحراء عنده رجل بسيف مجرد ملطخ بالدماء، ومثله يقتل، أو يرى رجل يحرك يديه كالضارب ثم يوجد بقربه قتيل أو تجيء شهادات من فساق أو نساء وصبيان أن فلانا قتل فلانا أو يشهد به رجل عدل أو يدخل قوم دارا فيتفرقوا عن قتيل وعداوة ظاهرة [ ص: 244 ] وما أشبه ذلك.

فأما دعوى المقتول أن فلانا قتلني فلا يكون لوثا، وكذلك إن شهد اثنان أنه قتل أحد هذين الرجلين أو قال أحد ابني المقتول: قتله هذا أو قال الآخر: ما قتله هذا فكل ذلك ليس بلوث يوجب القسامة، فإذا وجد المقتضي للقسامة عند كل واحد منهما كما بين من أصله حلف المدعون على قاتله خمسون يمينا واستحقوا دمه إذا كان القتل عمدا عند مالك وأحمد والقديم من قول الشافعي وفي قول الشافعي الجديد: "يستحقون الدية المغلظة".

التالي السابق


الخدمات العلمية