الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فلو أودعه دابة فترك علفها ) بإسكان اللام أو سقيها مدة يموت مثلها فيها جوعا أو عطشا ولم ينهه ( ضمن ) ها إن تلفت ونقص أرشها إن نقصت ، فإن ماتت قبل مضي تلك المدة لم يضمنها ما لم يكن بها جوع أو عطش سابق وعلمه فيضمن حينئذ جميعها كما اقتضاه كلام الروضة وأصلها وهو المعتمد ، وإن جزم ابن المقري كصاحب الأنوار بضمانه بالقسط ، ويؤيد الأول ما لو جوع إنسانا وبه جوع سابق ومنعه الطعام مع علمه بالحال فمات فإنه يضمن الجميع ، وتختلف المدة باختلاف الحيوانات والمرجع إلى أهل الخبرة بها ، ونقل الأذرعي عن بعض الأصحاب أنه لو رأى أمين كوديع وراع مأكولا تحت يده وقع في مهلكة فذبحه جاز ، وإن تركه حتى مات لم يضمنه ، ثم قال : وفي عدم الضمان إذا أمكنه ذلك بلا كلفة نظر ، واستشهد غيره للضمان بقول الأنوار وتبعه الغزي لو أودعه برا : أي مثلا فوقع فيه السوس لزمه الدفع عنه ، فإن تعذر باعه بإذن الحاكم ،

                                                                                                                            [ ص: 122 ] فإن لم يجده تولى بيعه وأشهد ( فإن نهاه ) المالك ( عنه فلا ) ضمان عليه ( على الصحيح ) وإن أثم كما لو أذن له في الإتلاف .

                                                                                                                            والثاني يضمن إذ لا حكم لنهيه عما أوجبه الشرع ولا أثر لنهي نحو ولي كما قاله الأذرعي وتبعه الزركشي .

                                                                                                                            نعم تقييده ذلك بعلم الوديع بالحال محمول على استقرار الضمان عليه ، وإلا فلا فرق بين العلم والجهل في أصل الضمان ، ويجب عليه أن يأتي الحاكم ليجبر مالكها إن حضر أو ليأذن له في الإنفاق ليرجع عليه إن غاب ، ولو نهاه عن علفها لنحو تخمة بها لزمه الامتثال فإن علفها مع بقاء العلة ضمن : أي وإن لم يعلم بعلتها فيما يظهر خلافا لبعض المتأخرين ، والأوجه أنه لا يحتاج في إذنه إلى تقدير علفها بل يحمل على العرف اللائق بها ( فإن أعطاه المالك علفا ) بفتح اللام اسم للمأكول ولم ينهه ( علفه منه وإلا ) بأن لم يعطه ذلك ( فيراجعه أو وكيله ) ليردها أو ينفقها ( فإن فقدا فالحاكم ) يراجعه ليؤجرها وينفق عليها من أجرتها ، فإن عجز اقترض على المالك حيث لا مال له أو باع بعضها أو كلها بالمصلحة ، والذي ينفقه على المالك هو الذي يحفظها من التعييب لا الذي يسمنها ، ولو كانت سمينة عند الإيداع فالأوجه أنه يجب عليه علفها بما يحفظ نقصها عن عيب ينقص قيمتها ، ولو فقد الحاكم أنفق بنفسه ، ثم إن أراد الرجوع أشهد على ذلك ، فإن لم يفعل فلا رجوع في أوجه الوجهين كنظيره في هرب الجمال .

                                                                                                                            نعم لو كانت راعية فالظاهر وجوب تسريحها مع ثقة ، فلو أنفق عليها لم يرجع : أي إن لم يتعذر عليه من يسرحها معه وإلا فيرجع وعن أبي إسحاق أنه يجوز له نحو البيع أو الإيجار أو الاقتراض كالحاكم ، وينبغي ترجيحه عند تعذر الإنفاق عليها مطلقا إلا بذلك ، ويؤيده ما تقرر عن الأنوار وهل يضمن نخيلا استودعها لم يأمره بسقيها فتركه كالحيوان أو لا وجهان ، أصحهما نعم كالصوف ونحوه خلافا للأذرعي .

                                                                                                                            نعم محل الوجهين كما قاله فيما لا تشرب بعروقها وفيما .

                                                                                                                            [ ص: 123 ] إذا لم ينهه عن سقيها ( ولو ) ( بعثها ) أي الدابة ( مع من يسقيها ) أو يعلفها وهو ثقة حيث يجوز له إخراجها لذلك ( لم يضمن ) ها ( في الأصح ) وإن لاق به مباشرته بنفسه ; لأنه العادة وهو استنابة لا إيداع .

                                                                                                                            والثاني يضمن لإخراجها من حرزها على يد من لم يأتمنه المالك ولو أخرجها في زمن الخوف أو مع غير ثقة ضمن قطعا

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله بالقسط ) أي باعتبار عدد الرءوس دون المدة كما لو جنى عليه اثنان بجراحات واختلف عددها من الجارحين فإن الضمان بعدد الرءوس ( قوله : ويؤيد الأول ) هو قوله فيضمن حينئذ جميعها ( قوله : مع علمه بالحال ) أي فإن لم يعلم فلا ضمان شرح روض انتهى سم على حج .

                                                                                                                            وقد يشكل بما تقرر أن ما كان من خطاب الوضع لا فرق فيه بين العلم وعدمه كما يؤخذ من قول الشارح الآتي : أي وإن لم يعلم بعلتها فيما يظهر خلافا لبعض المتأخرين ( قوله : وراع إلخ ) ومعلوم أن الكلام في البالغ العاقل ، وقوله وفي عدم الضمان إلخ معتمد ( قوله واستشهد غيره للضمان إلخ ) في الاستشهاد بما ذكر نظر ، إذ ليس في كلام الأنوار تعرض للضمان أصلا اللهم إلا أن يقال : إنه أخذ [ ص: 122 ] الضمان من قوله لزمه الدفع عنه ; لأن الأصل أن من ترك فعل ما لزمه في مال غيره ضمنه لنسبته إلى تقصير مع إثمه بالترك ( قوله : فإن لم يجده تولى بيعه وأشهد ) قال حج بعد ما ذكر : والذي يتجه أنه إن كان ثم من يشهده على سبب الذبح فتركه ضمن وإلا فلا لعذره ; لأن الظاهر أن قوله ذبحتها لذلك لا يقبل ثم رأيته مصرحا به فيما يأتي انتهى .

                                                                                                                            وظاهر إطلاق الشارح عدم الضمان مطلقا وجد شهودا يشهدهم أو لا ( قوله : نعم تقييده ) أي الأذرعي انتهى .

                                                                                                                            حج ( قوله : وإلا فلا فرق بين العلم ) أي بكونه وليا ( قوله : والجهل في أصل الضمان ) أي ويكون قرار الضمان في صورة الجهل على الولي ( قوله : وإن لم يعلم بعلتها فيما يظهر ) ; لأن المضمنات لا يفترق الحال فيها بين علمها وجهلها ( قوله : خلافا لبعض المتأخرين ) مراده حج ( قوله : بل يحمل على العرف اللائق بها ) أي فيما يدفع التعيب لا فيما يسمنها أخذا مما يأتي ( قوله : فإن عجز ) أي الحاكم بأن لم يتيسر له اقتراض ولا بيع ( قوله : فإن لم يفعل فلا رجوع ) ظاهره وإن فقد الشهود ونوى الرجوع ، والأوفق بما سنذكره في الراعي عن حج من أنه يرجع حيث دلت القرينة على صدقه أنه هنا كذلك ( قوله : فالظاهر وجوب تسريحها مع ثقة ) أي فإن علفها في البيت فالظاهر ضمان المالك ما زاد على مؤنة الراعي لا جميع ما صرفه ( قوله : وعن أبي إسحاق أنه يجوز له ) أي الوديع ( قوله : ويؤيده ما تقرر إلخ ) قد يفرق بأن ما في الأنوار لا طريق لدفع التلف عنه فالبيع مضطر إليه ، بخلاف ما هنا فإن خصوص ما فعله كالإيجار هنا مثلا ليس متعينا ; لأن المصلحة فيه دون غيره وقد تعذر الإنفاق من غير بيعها ونحوه ( قوله : نعم كالصوف ) أي خلافا [ ص: 123 ] لحج ( قوله : وهو ثقة ) والمراد بالثقة حيث أطلق المكلف العدل القادر على مباشرة ما فوض إليه ( قوله : وهو استنابة لا إيداع ) أي فلا يقال الوديع لا يجوز له الإيداع ودفعها لمن ذكر إيداع له مدة وضع يده ( قوله : أو مع غير ثقة ضمن قطعا ) أي دخلت في ضمانه حتى لو تلفت بغير السبب الذي تعدى به لم يسقط عنه الضمان فهو ضمان جناية .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 122 ] قوله بعلم الوديع بالحال ) أي بكونه وليا ( قوله : والأوجه أنه لا يحتاج في إذنه ) يعني الحاكم ( قوله : ولم ينهه ) الواو للحال عبارة المحلي فيما لم ينهه انتهت . وغرضه من ذلك دفع ما يوهمه المتن من تعلق هذه المسألة بمسألة النهي قبلها ( قوله : كالصوف ونحوه ) أي فيما إذا ترك نحو نشره [ ص: 123 ] قوله : حيث يجوز له إخراجها ) أي بأن لم يكن زمن خوف




                                                                                                                            الخدمات العلمية