الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن حجر عليه ) حسا ( بسفه ) بأن بذر في ماله ، أو حكما كمن بلغ سفيها ولم يحجر عليه وهو السفيه المهمل ( لا يستقل بنكاح ) كي لا يفني ماله في مؤنة ولا يصح إقرار وليه عليه به ولا إقراره هو حيث لم يأذن فيه وليه ، وإنما صح إقرار المرأة به لأنه يفيدها ونكاحه يغرمه ( بل ينكح بإذن وليه ، أو يقبل له الولي ) النكاح بإذنه لصحة عبارته فيه بعد إذن الولي له ، ويشترط حاجته للنكاح بنحو ما مر في المجنون ولا يكتفى فيها بقوله بل لا بد من ثبوتها في الخدمة وظهور قرائن عليها في الشهوة ولا يزوج إلا واحدة ، فإن كان مطلاقا بأن طلق بعد الحجر ، أو قبله كما هو ظاهر ثلاث زوجات ، أو ثنتين وكذا ثلاث مرات ولو في زوجة واحدة فيما يظهر سري بأمة .

                                                                                                                            فإن تضجر منها أبدلت ، ومن هذه المسألة يعلم اتفاق سائر الأصحاب على بطلان الدور في المسألة السريجية كما أوضح ذلك الناشري في نكته أتم إيضاح ، ولا يزاد له على حليلة وإن اتسع ماله نص عليه .

                                                                                                                            نعم لو جذمت ، أو برصت ، أو [ ص: 265 ] جنت جنونا يخاف عليه منها كانت كالعدم ، لكن هل تترك تحته ، أو يؤمر بفراقها إذا لم يكن له ولد منها ولم يرج شفاؤها ؟ هذا موضع نظر ، والأقرب إلى كلامهم تركها كما في نظيره في نكاح الأمة ، والأوجه تعين الأصلح من التسري ، أو التزويج لم يرد التزويج بخصوصه لأن التحصين به أقوى منه بالتسري ( فإن أذن ) له الولي ( وعين امرأة ) تليق به دون المهر ( لم ينكح غيرها ) فإن فعل لم يصح ولو بدون مهر المعينة ، بخلاف ما لو عين مهر فنكح بأزيد منه ، أو أنقص لأنه تابع .

                                                                                                                            قال ابن أبي الدم : وما تقرر من تعين المرأة محمول على ما إذا لحقه مغارم بسبب المخالفة ، فلو عدل إلى غيرها وكانت خيرا من المعينة نسبا وجمالا ودينا ودونها مهرا ونفقة فينبغي الصحة قطعا كما لو عين مهرا فنكح بدونه انتهى .

                                                                                                                            وهذا ظاهر لا شبهة فيه ( وينكحها ) أي المعينة ( بمهر المثل ) لأنه المرد الشرعي ( أو أقل ) منه لأن فيه رفقا به ( فإن زاد ) عليه ( فالمشهور صحة النكاح بمهر المثل ) أي بقدره ( من المسمى ) الذي نكح بعينه المأذون له في النكاح منه ويلغو ما زاد لأنه تبرع من سفيه .

                                                                                                                            وقال ابن الصباغ : القياس بطلان المسمى جميعه لأنها لم ترض إلا بجميعه وترجع لمهر المثل : أي من نقد البلد في ذمته ، واعتمده البلقيني وأراد بالمقيس عليه نكاح الولي له بالأزيد الآتي قريبا ، وفرق الغزي بما حاصله أن تصرف الولي وقع للغير مع كونه مخالفا للشرع والمصلحة فبطل المسمى من أصله والسفيه هنا تصرف لنفسه وهو يملك أن يعقد بمهر المثل ، فإذا زاد بطل في الزائد كشريك باع مشتركا بغير إذن شريكه ، ومر في تفريق الصفقة مسائل يبطل فيها العقد من أصله بتوجيهها بما يوافق ذلك ويوضحه ، ويأتي في الصداق أنه لو نكح لطفله بفوق مهر المثل من مال الطفل ، أو أنكح موليته القاصرة أو التي لم تأذن بدونه فسد المس وصح النكاح بمهر المثل : أي في الذمة من نقد البلد فيوافق ما هنا في ولي السفيه ( ولو قال له انكح بألف ولم يعين له امرأة نكح بالأقل من ألف ومهر مثلها ) لامتناع الزيادة على ما أذن فيه الولي وعلى [ ص: 266 ] مهر المنكوحة ، فإذا نكح امرأة بألف وهو مساو لمهر مثلها ، أو ناقص عنه صح به ، أو زائد عليه صح بمهر المثل منه خلافا لابن الصباغ ولغا الزائد ، أو نكحها بأكثر من ألف بطل النكاح إن نقص الألف عن مهر مثلها لتعذر صحته بالمسمى وبمهر المثل لأن كلا منهما أزيد من المأذون فيه ، والأصح بمهر المثل لأنه أقل من المأذون فيه ، أو مساو له ، أو بأقل من الألف والألف مهر مثلها ، أو أقل صح بالمسمى لأنه أقل من مهر المثل أو أكثر صح بمهر المثل إن نكح بأكثر منه وإلا فبالمسمى ، أما إذا عين له قدرا وامرأة كانكح فلانة بألف ، فإن كان الألف مهر مثلها ، أو أقل فنكحها به ، أو بأقل منه صح بالمسمى لأنه لم يخالف الإذن بما يضره ، أو بأكثر منه لغا الزائد في الأولى لزيادته على مهر المثل وانعقد به لموافقته للمأذون فيه

                                                                                                                            وبطل النكاح في الثانية لتعذره بالمسمى وبمهر المثل لأن كلا منهما أزيد من المأذون فيه نظير ما مر ، أو أكثر منه فالإذن باطل من أصله ( ولو أطلق الإذن ) بأن قال له انكح ولم يعين امرأة ولا قدرا ( فالأصح صحته ) لأن له مردا كما قال ( وينكح بمهر المثل ) لأنه المأذون فيه شرعا أو بأقل منه فإن زاد لغا الزائد ( من تليق به ) فلو نكح من يستغرق مهر مثلها ماله لم يصح النكاح كما اختاره الإمام وقطع به الغزالي لانتفاء المصلحة فيه ، والأوجه أنه لو لم يستغرقه وكان الفاضل تافها بالنسبة إليه عرفا كان كالمستغرق ، ولو زوج الولي المجنون بهذه لم يصح فيما يظهر لاعتبار الحاجة فيه كالسفيه وهي تندفع بدون هذه ، بخلاف تزويجه للصغير العاقل فإنه منوط بالمصلحة في ظن الولي ، وقد تظهر له في نكاحها ولهذا جاز له تزويجه بأربع كما مر .

                                                                                                                            والثاني لا يصح بل لا بد من تعيين المهر والمرأة أو القبيلة وإلا لم يؤمن أن ينكح من يستغرق مهر مثلها ماله ، ولهذا لو قال له انكح من شئت بما شئت لم يصح لأنه رفع للحجر بالكلية فبطل الإذن من أصله ومن ثم لم يتأت فيه تفريق الصفقة ، وليس لسفيه أذن له في نكاح توكيل فيه لأن حجره لم يرفع إلا عن مباشرته

                                                                                                                            ( فإن قبل له وليه اشترط إذنه في الأصح ) لما مر من صحة عبارته هنا .

                                                                                                                            والثاني لا يشترط لأن النكاح من مصلحته وعلى الولي رعايتها ( ويقبل ) له ( بمهر المثل فأقل ) كالشراء له ( فإن زاد ) عليه ( صح النكاح بمهر المثل ) ولغت الزيادة لانتفاء أهليته للتبرع وبطل المسمى من أصله كما مر آنفا بما فيه ( وفي قول يبطل ) النكاح كما لو اشترى له بأكثر من ثمن المثل ، ويرد بأنه يلزم من بطلان الثمن بطلان البيع إذ لا مرد له بخلاف النكاح .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا يصح إقرار وليه ) ظاهره وإن سبق من السفيه إذن للولي في تزويجه ، وقياس ما ذكره في السفيه أن محل عدم القبول عند عدم إذن السفيه لوليه إن أريد بمرجع الضمير في قوله حيث لم يأذن له فيه : النكاح ، فإن كان المراد به الإقرار كما هو الظاهر اتجه ما ذكره ( قوله : حيث لم يأذن له فيه ) أي في الإقرار ( قوله : بنحو ما مر ) ومنه أن يتوقع شفاؤه من مرض ينشأ عنه حدة توجب عدم حسن التصرف أو غير ذلك كحرارة تنشأ من عدم استفراغ المني وإن لم ينشأ عنها عدم حسن التصرف ( قوله : وكذا ثلاث مرات ) أي متفرقة على ما يفيده قوله مرات ( قوله فإن تضجر منها أبدلت ) أي حيث أمكن ، فإن تعذر ذلك إما لعدم من يرغب فيها لأمر قام بها ، أو لصيرورتها مستولدة فقياس ما مر فيمن سقمت أن يضم معها غيرها من امرأة ، أو أمة ( قوله : على بطلان الدور في المسألة السريجية ) أي وذلك لأنه لو كان الدور صحيحا لأمر حيث كان مطلاقا بأن يقول بعد نكاحه لامرأته إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا فلا يقع عليه الطلاق بعد ويستغني عن التسري ( قوله نعم يأتي هنا ما مر ) وعليه لو احتاج لأكثر من واحدة لم يزوج ، لكن في نسخة الضرب على قوله نعم يأتي ما مر في المجنون بخطه وكتب بدله : نعم لو جذمت ، أو برصت ، أو جنت جنونا يخاف عليه إلى آخر ما تقدم ، [ ص: 265 ] ولا يستفاد من هذه النسخة حكم ما لو احتاج لأكثر من واحدة وما في الأصل أولى ( قوله لأن التحصين به أقوى ) أي العفة عن الميل للأجنبيات ، ولكن ينظر ما وجهه ، فإن السرية ربما كانت أجمل من الحرة وذلك أقوى في تحصيل العفة عن الأجنبيات ، وقد يقال المراد بكون التحصين به أقوى أنه تحصل به صفة كمال بالنسبة لغيره كثبوت الإحصان المميز له عن التسري

                                                                                                                            ( قوله : فإن فعل لم يصح ) أي ما لم يكن خيرا من المعينة على ما يأتي ( قوله : ودونها مهرا ونفقة ) قضيته أنها لو ساوت المعينة في ذلك ، أو كانت خيرا منها نسبا وجمالا ومثلها نفقة لم يصح نكاحها ، وهو قريب في الأول لأنه لم يظهر فيه للمخالفة وجه دون الثاني لأنه يكفي مسوغ العدول مزيد من وجه ، ويأتي مثله فيما لو ساوتها في صفة ، أو صفتين من ذلك وزادت المعدول إليها على المعدول عنها بصفة ( قوله : وهذا ظاهر إلخ ) معتمد ( قوله : الذي نكح بعينه ) مفهومه أنه لو عين له قدرا ينكح به في ذمته فزاد عليه أنه لا يكون حكمه كذلك وفيه نظر ، بل الظاهر أنه لا فرق بين المعين وما في الذمة وعليه فلعل المراد بالتعيين مجرد التسمية ( قوله وفرق الغزي إلخ ) معتمد ( قوله : في ولي السفيه ) أي حيث نكح له بفوق مهر المثل ، أما بدون مهر المثل فصحيح [ ص: 266 ] كما تقدم لأنه زاد خيرا ( قوله من تليق به ) مفهومه أنه لو نكح من لا تليق به لم يصح نكاحها وإن لم يستغرق مهر مثلها ماله ولا قرب من الاستغراق وهو واضح ( قوله فلو نكح من يستغرق إلخ ) ينبغي أن محل ذلك حيث كان ماله يزيد على مهر اللائقة عرفا ، أما لو كان ماله بقدر مهر اللائقة ، أو دونه فلا مانع من تزويجه بمن يستغرق له مهر مثلها ماله لأن تزويجه به ضروري في تحصيل النكاح ، إذ الغالب أن ما دون ذلك لا يوافق عليه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : كمن بلغ سفيها ولم يحجر عليه ) أي بخلاف من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه فتصرفاته نافذة ، وكان الأولى حذف قوله ولم يحجر عليه لإيهامه أن لهذا الحجر تأثيرا ( قوله : حيث لم يأذن فيه وليه ) قال الشهاب سم : ينبغي رجوعه لمسألة الولي أيضا ، وما في حاشية الشيخ من جواز رجوع الضمير فيه للإقرار ففيه وقفة من حيث الحكم ( قوله : ومن هذه المسألة يعلم اتفاق سائر الأصحاب إلخ ) أي ; لأنها لو كانت صحيحة لقال الأصحاب هنا نعلمه صيغة الدور لئلا يهلك ماله بالتسري ، كذا قاله في التفقيه ، وللشهاب سم في هذا الاستدلال منازعة في حواشي التحفة ( قوله : نعم يأتي هنا ما مر في المجنون إلخ ) نبه الشيخ في حاشيته على أن الشارح ضرب عليه بخطه وكتب بدله نعم لو جذمت أو برصت أو جنت جنونا يخاف عليه منها إلى آخر ما تقدم ، ومعلوم [ ص: 265 ] أن الشارح إنما ضرب على هذا الاستدراك ; لأنه لا يرتضيه ، فما في حاشية الشيخ من أن الأولى ما في الأصل من هذا الاستدراك لم يلاحظ فيه ذلك ( قوله : أو يؤمر بفراقها ) نائب الفاعل هو الجار والمجرور : أي يحصل الأمر بفراقها وإلا فالمجنون لا يؤمر ، وعلى ما ذكرناه فالمأمور معلوم وهو الولي ، ولعله على مذهب من يرى صحة الفراق منه ، لكن فيه وقفة لا تخفى ، وقد نبه الشيخ في حاشيته على أن هذا الاستدراك مضروب عليه في بعض النسخ ، [ ص: 266 ] وظاهر أن قوله أما الأمة إلخ مبني على هذا الاستدراك ( قوله : فلو نكح من يستغرق مهر مثلها ماله لم يصح ) هلا قال فلو نكح من يستغرق ما وجب بعقدها ماله ليشمل ما إذا تزوجها بدون مهر مثلها وكان ما تزوجها به يستغرق ماله ( قوله : بل لا بد من تعيين المهر والمرأة ) كذا في النسخ ، ولعله سقط ألف قبل واو والمرأة من الكتبة ( قوله : وإلا لم يؤمن إلخ ) أي إن قلنا بصحته على خلاف ما مر




                                                                                                                            الخدمات العلمية