الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( قال ) لزوجته ( أنت ) أو نحو يدك ( علي حرام أو حرمتك ) أو كالخمر أو الميتة أو الخنزير ( ونوى طلاقا ) وإن تعدد ( أو ظهارا حصل ) ما نواه لاقتضاء كل منهما التحريم فجاز أن يكنى عنه بالحرام ولا ينافي هذه القاعدة المذكورة لأن إيجابه للكفارة عند الإطلاق ليس من باب الصريح والكناية ، إذ هو من قبيل دلالات الألفاظ ، ومدلول اللفظ تحريمها وأما إيجاب الكفارة فحكم رتبه الشارع عليه عند قصد التحريم أو الإطلاق لدلالته على التحريم لا عند قصد طلاق أو ظهار إذ لا كفارة في لفظهما ( أو نواهما ) أي الطلاق والظهار معا ( تخير وثبت ما اختاره ) منهما لا هما لتناقضهما إذ الطلاق يرفع النكاح والظهار يثبته ( وقيل طلاق ) لأنه أقوى لإزالته الملك ( وقيل ظهار ) لأن الأصل بقاء النكاح .

                                                                                                                            أما لو نواهما مرتبا بناء على الاكتفاء بقرن النية بجزء من لفظ الكناية فيتخير ويثبت ما اختاره أيضا منهما على ما رجحه ابن المقري ، لكن القياس ما رجحه في الأنوار من أن المنوي أولا إن كان الظهار صحا معا ، والطلاق وهو بائن لغا الظهار ، أو رجعي وقف الظهار ، فإن راجع صار عائدا ولزمته الكفارة وإلا فلا ، وهذا ما قاله ابن الحداد وهو المعتمد وتأييد الأول بأن الطلاق إنما يقع بآخر اللفظ فلا فرق بين تقدم الظهار وتأخره ممنوع بل يتبين بآخره وقوع المنويين مرتبين كما أوقعهما وحينئذ فيتعين الثاني ( أو ) نوى ( تحريم عينها ) أو نحو فرجها أو وطئها ( لم تحرم ) لما رواه النسائي { أن ابن عباس سأله من قال ذلك فقال كذبت ليست : أي زوجتك عليك بحرام ثم تلا أول سورة التحريم } ( وعليه [ ص: 434 ] كفارة يمين ) أي مثلها حالا ولو لم يطأها كما لو قاله لأمته أخذا من قصة مارية النازل فيها ذلك على الأشهر عند أهل التفسير ، وروى النسائي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها : أي وهي مارية أم ولده إبراهيم ، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه ، فأنزل الله { لم تحرم } الآية } ، ومعنى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي أوجب عليكم الكفارة التي تجب في الأيمان وهو مكروه كما صرحا به أول الظهار وبه يرد بحث الأذرعي حرمته لما فيه من الإيذاء والكذب ونزاع ابن الرفعة فيها بأنه صلى الله عليه وسلم فعله وهو لا يفعل المكروه مردود بأنه يفعله لبيان الجواز فلا يكون مكروها في حقه لوجوبه عليه ، وفارق الظهار بأن مطلق التحريم بجامع الزوجية ، بخلاف التحريم المشابه لتحرم الأم فكان كذبا معاندا للشرع ، ومن ثم كان كبيرة فضلا عن كونه حراما والإيلاء بأن الإيذاء فيه إثم ، ومن ثم ترتب عليه الطلاق والرفع للحاكم وغيرهما ، ولو قال لأربع أنتن علي حرام بلا نية طلاق ولا ظهار فكفارة واحدة كما لو كرر في واحدة وأطلق أو بنية التأكيد وإن تعدد المجلس كاليمين ( وكذا ) عليه كفارة ( إن لم تكن له نية في الأظهر ) لأن لفظ التحريم يصرف شرعا لإيجاب الكفارة ( والثاني ) هو ( لغو ) لأنه كناية في ذلك ، وخرج بأنت علي حرام ما لو حذف علي فيكون كناية فلا تجب به كفارة [ ص: 435 ] إلا بنية .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بقرن النية ) معتمد ( قوله وتأييد الأول ) هو قوله على ما رجحه ابن المقري ( قوله : وحينئذ فيتعين الثاني ) وهو معتمد ، والثاني هو قوله ما رجحه في الأنوار [ ص: 434 ] قوله : فلم تزل به عائشة ) ظاهر هذا السياق أن تحريمها كان بعد كلام حفصة وعائشة معا ، وفي حاشية شيخنا الزيادي ما نصه : قوله تحلة أيمانكم قال البيضاوي : وذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى حفصة فلم يجدها وكانت قد خرجت إلى بيت أبيها ، فدعا أمته مارية إليه فأتت حفصة وعرفت الحال فغضبت وقالت : يا رسول الله في بيتي وفي يومي وعلى فراشي ؟ فقال عليه السلام يسترضيها : إني أسر إليك سرا فاكتميه ، هي علي حرام ، فوردت الآيات } ا هـ ( قوله : وهو ) أي نية تحريم عينها ( قوله : وفارق ) أي أنت علي حرام ( قوله : ومن ثم كان ) أي الظهار ( قوله كاليمين ) ظاهره أنه لا فرق فيه بين كونه بالله أو بالطلاق في مجيء هذا التفصيل وهو كذلك ( قوله : وخرج بأنت علي حرام إلخ ) بقي من جملة ما يخرج به ما لو حذف أنت واقتصر على قوله علي الحرام ، وقوة كلامه حيث جعل صور الكفارة منوطة بالخطاب بنحو أنت أو نحو يدك أو حرمتك تعطي أنه لا كفارة عليه وذلك موافق لما أفتى به والده كالشرف المناوي من عدم وجوب الكفارة لكن في فتاوى الشرح أن علي الحرام والحرام يلزمني كناية وعليه كفارة حيث كان له وجه وتجب بالتلفظ ا هـ .

                                                                                                                            [ مسألة ] :

                                                                                                                            فيمن قال لزوجته تكوني طالقا هل تطلق أم لا لاحتمال هذا اللفظ الحال والاستقبال ، وهل هو صريح أو كناية ، وإذا قلتم بعدم وقوعه في الحال فمتى يقع أبمضي لحظة أم لا يقع أصلا لأن الوقت مبهم ؟ والجواب الظاهر أن هذا اللفظ كناية ، فإن أراد به وقوع الطلاق في الحال طلقت أو التعليق احتاج إلى ذكر المعلق عليه وإلا فهو وعد لا يقع به شيء ، ثم بحث باحث في هذه المسألة فقال : الكناية ما احتمل الطلاق وغيره ، وهذا ليس كذلك ، فقلت بل هو كذلك لأنه يحتمل إنشاء الطلاق والوعد ، فقال : إذا قصد الاستقبال فينبغي أن يقع بعد مضي زمن فقلت لا لأنه لم يصرح بالتعليق ، ولا بد في التعليقات من ذكر المعلق وهو الطلاق المعلق عليه ، قال : هو مذكور في الفعل وهو تكوني فإنه يدل على الحادث والزمان ، قلت : دلالته عليهما ليست بالوضع ولا لفظية ولهذا قال النحاة إن الفعل وضع لحدث مقترن بزمان ولم يقولوا إنه وضع للحادث والزمان .

                                                                                                                            وقد صرح ابن جني في الخصائص بأن الدلالات في عرف النحاة ثلاث : لفظية وصناعية ومعنوية ، فالأولى كدلالة [ ص: 435 ] الفعل على الحدث ، والثانية كدلالته على الزمان ، والثالثة كدلالته على الأفعال .

                                                                                                                            وصرح ابن هشام الخضراوي أن دلالة الأفعال على الزمان ليست لفظية بل هي من باب دلالة التضمن والالتزام وهي لا يعمل بها في الطلاق والأقارير ونحوها ، بل لا يعتمد فيها إلا مدلول اللفظ من حيث الوضع والدلالة اللفظية .

                                                                                                                            [ تنبيه ] ما قلنا من أن هذه الصيغة وعد .

                                                                                                                            فإن قيل : لفظ السؤال تكوني بحذف النون .

                                                                                                                            قلت : لا فرق فإنه لغة ، وعلى تقدير أن يكون لحنا فلا فرق في وقوع الطلاق بين المعرب والملحون بمثل ذلك ، فإن نوى بذلك الأمر على حذف اللام : أي لتكوني فهو إنشاء فتطلق في الحال بلا شك ا هـ نقله سم بهامش التحفة عن السيوطي . ويؤخذ من قوله فإن نوى بذلك الأمر إلخ صراحة ما وقع السؤال عنه من رجل قال لزوجته كوني طالقا لأن هذا اللفظ لا يقصد به إلا الإنشاء فيقع عليه الطلاق حالا ( قوله : إلا بنية ) أي لليمين ومثل أنت حرام ما لو قال علي الحرام ولم ينو به طلاقا فلا كفارة فيه كما ذكره شيخنا الشوبري ، وفي فتاوى والد الشارح ما يوافقه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 434 ] قوله : النازل فيها ) أي في مطلق الأمة ، وعبارة التحفة : كما لو قال لأمته أخذا من قصة مارية رضي الله عنها [ ص: 435 ] النازل فيها ذلك إلخ ، ولعل في عبارة الشارح سقطا من الكتبة




                                                                                                                            الخدمات العلمية