الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومنها أن يضيعها بأن ) تقع في كلامه كغيره بمعنى كأن كثيرا كما في هذا الباب إذ أنواع الضياع كثيرة : منها أن تقع دابة في مهلكة وهي مع راع أو وديع فيترك تخليصها مع تمكنه منه بلا كبير مشقة ، أو ذبحها بعد تعذر تخليصها فتموت فيضمنها على ما مر ، ولا يصدق في ذبحها لذلك إلا ببينة كما في دعوه خوفا ألجأه إلى إيداع غيره .

                                                                                                                            ومنها أن ينام عنها إلا إن كانت برحله أو رفقته حوله : أي مستيقظين كما هو ظاهر إذ لا تقصير بالنوم حينئذ .

                                                                                                                            ومنها ضياعها بنسيان أو نحوه كأن قعد في طريق ثم قام ونسيها أو دفنها بحرز ثم نسيه ( يضعها في غير حرز مثلها ) بغير إذن مالكها وإن قصد إخفاءها كما لو هجم عليه قطاع فألقاها في مضيعة أو دونها إخفاء لها فضاعت ، والتنظير فيه غير معول عليه ، ولو جاءه من يخاف منه على نفسه أو ماله فهرب وتركها : أي ولم يمكنه أخذها وهي في حرز مثلها فلا ضمان لانتفاء تقصيره

                                                                                                                            وضابط الحرز هنا كما فصلوه في السرقة بالنسبة لأنواع المال والمحال ذكره في الأنوار قال غيره : وهو مقتضى كلامهم ، ويتفرع عليه أن الدار المغلقة ليلا ولا نائم بها غير حرز هنا أيضا وإن كانت ببلد أمن ، وأنه لو قال احفظ داري فأجاب فذهب المالك وبابها مفتوح ثم الآخر ضمن ، بخلاف المغلقة على التفصيل الآتي ثم ، فلو سرق الوديعة من حرزها من ساكنه فيه فالأوجه الضمان مطلقا كما اقتضاه قولهم ثم ليس محرزا بالنسبة للضيف والساكن ، ولو ذهب الفأر بها من حرزها في جدار لم يجز لمالكها حفره مجانا ; لأن مالكه لم يتعد ، بخلاف ما إذا تعدى نظير ما قالوه في دينار وقع بمحبرة أو فصيل ببيت ولم يمكن إخراجه إلا بكسرها أو هدمه يكسر ويهدم بالأرش إن لم يتعد مالك الظرف وإلا فلا أرش ( أو يدل عليها ) مع تعيينه محلها ( سارقا ) أو نحوه ( أو ) ( من يصادر المالك ) لإتيانه بنقيض ما التزمه من حفظها ، ومن ثم كان طريقا في الضمان وإن أكره على الدلالة ، وعليه يحمل ما اقتضاه كلامه من ضمانه ، وعلى .

                                                                                                                            [ ص: 127 ] عدم القرار عليه حمل الزركشي القول بأنه لا يضمن وفارق محرما دل على صيد بعدم التزام الحفظ ، وتنظير بعض الشراح في حمل الزركشي المذكور بأنه يلزم منه أن قرار الضمان على الدال على وجه لا قائل به مردود بمنع لزوم ذلك نظرا لعذره مع عدم مباشرته للتسليم أو بالتزامه نظرا لالتزامه الحفظ وقوله لا قاتل به شهادة نفي لا يحيط بها العلم وقضية كلام المصنف ضمانه بمجرد الدلالة ولو تلفت بغيرها وبه صرح جمع ، لكن المعتمد عنده كالرافعي وغيرهما عدمه ، ولو قال لا تخبر بها فخالف فإن أخذها مخبره أو مخبر مخبره ضمن وإن لم يعين موضعها فلا خلافا لما يوهمه كلام العبادي ، ولو دفع مفتاح نحو بيته فدفعه لأجنبي أو ساكن معه ففتح وأخذ المتاع لم يضمنه ; لأنه إنما التزم حفظ المفتاح لا المتاع ، ومن ثم لو التزمه ضمنه أيضا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 126 ] قوله : فيضمنها على ما مر ) أي من الخلاف فيه وقد سبق أن المعتمد منه هو الضمان وقد قدمنا عن حج أن الذي يتجه أنه إن كان ثم من يشهده على سبب الذبح فتركه ضمن وإلا فلا ( قوله : ولا يصدق في ذبحها لذلك إلا ببينة ) بقي ما لو لم يكن راعيا ولا مودعا ورأى نحو مأكول لغيره وقع في مهلكة وأشرف على الهلاك فهل يجوز له ذبحه بنية حفظه لمالكه وإذا تركه من غير ذبح لا يضمن أو لا يجوز له ذبحه وله تركه ولا ضمان عليه بالترك ؟ فيه نظر والأقرب الأول للقطع برضا مالكه بمثل ذلك ; لأنه لا يريد إتلاف ماله لكن لا يقبل ذلك منه إلا ببينة كما قالوه في الراعي فإن قامت قرينة تدل على صدقه احتمل تصديقه كما قاله حج في الراعي ، ومعلوم أن الكلام كله مفروض في عارف يميز بين الأسباب المقتضية للهلاك وغيرها ( قوله : ثم قام ونسيها ) ومنه ما لو كان معه كيس دراهم مثلا فوضعه في حجرة ثم قام ونسيه فضاع فيضمن ( قوله : فألقاها في مضيعة ) قال في المصباح : المضيعة بمعنى الضياع ، ويجوز فيها كسر الضاد وسكون الياء مثل معيشة ، ويجوز سكون الضاد وفتح الياء وزان مسلمة ، والمراد بها المفازة المنقطعة ( قوله : لو قال احفظ داري فأجاب ) أي صريحا ( قوله : فالأوجه الضمان مطلقا ) أي سواء كان متهما أم لا ( قوله : ليس محرزا بالنسبة للضيف ) أي فالوديع مقصر حيث وضعها فيما ذكر ; لأنه وضعها في غير حرز مثلها ( قوله أو هدمه يكسر ) ظاهره أنه يفتي بجواز ذلك وليس مرادا ، بل يقال لصاحب الفصيل والدينار إن هدمت البيت وكسرت الدواة غرمت الأرش وإلا فلا يلزم المالك إتلاف ماله لعدم تعديه ( قوله أو يدل عليها ) أي ولو مع غيره ; لأن الغير لم يلتزم حفظها [ ص: 127 ] بخلافه هو ( قوله وفارق محرما دل على صيد ) أي حيث أثم ولا ضمان ( قوله : لكن المعتمد عنده كالرافعي وغيرهما عدمه ) ولا ينافي هذا ما مر من أنه لو أخرج الدابة في زمن الخوف دخلت في ضمانه وإن تلفت بغير الخوف ; لأن إخراج الدابة جناية عليها نفسها فاقتضت الضمان ، بخلاف الدلالة فإنها لخروجها عن الوديعة لا تعد جناية عليها ( قوله : ومن ثم لو التزمه ) أي حفظ الأمتعة كأن استحفظ على المفتاح وما في البيت من الأمتعة فالتزم ذلك ، وظاهره وإن لم يره الأمتعة ولا سلمها له ، وقد يشكل عليه ما قاله الشارح في الخفراء إذا استحفظوا على السكة حيث لم يضمنوا الأمتعة لعدم تسليمها لهم وعدم رؤيتهم إياها .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 126 ] قوله : أي مستيقظين ) لعل المراد أن فيهم مستيقظا ولو واحدا حيث يحصل به الحفظ ( قوله : على نفسه أو ماله ) ظاهره وإن قل المال وكثرت الوديعة فليراجع ( قوله : ويتفرع عليه أن الدار إلخ ) انظر هل يفصل في أنواع المال باعتبار الخسة والنفاسة وفي الدار من كونها محكمة البناء مثلا أو بخلاف ذلك [ ص: 127 ] قوله : حمل الزركشي القول إلخ ) هو قول الماوردي كما صرح به في التحفة ( قوله : على وجه ) أي حكاه الماوردي مقابلا لقوله لا يضمن ( قوله : مردود يمنع لزوم ذلك إلخ ) فيه نظر إن كان موضوع كلام الماوردي في دلالة المكره كما هو المتبادر من السياق فتأمل ( قوله : من ثم لو التزمه ضمنه ) قال الشيخ في حاشيته : ظاهره وإن لم يره الأمتعة ولا سلمها له ، وقد يشكل عليه ما قاله الشارح في الخفراء إذا استحفظوا على السكة حيث لم يضمنوا الأمتعة لعدم تسلمها لهم وعدم رؤيتهم إياها انتهى . قلت : لا إشكال ; لأن الصورة أنه تسلم المفتاح ، كما يدل عليه قوله أيضا وإذا سلم المفتاح مع التزام حفظ المتاع فهو متسلم للمتاع معنى بل حسا لتمكنه من الدخول إلى محله ، وأيضا فالاستحفاظ هنا على المتاع وهناك على السكة ، وأيضا فالأمتعة هنا معينة نوع تعيين إذ هي محصورة في المحل المستحفظ عليه لا تزيد ولا تنقص ، بخلاف بيوت السكة التي بها سكانها يزيدون وينقصون ، وأيضا فالمستحفظ هنا مالك المتاع وثم المستحفظ هو الحاكم فتدبر




                                                                                                                            الخدمات العلمية