الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                16230 ( وأخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، ثنا علي بن حمشاذ العدل ، ثنا هشام بن علي السدوسي ، ثنا محمد بن كثير العبدي ، ثنا يحيى بن سليم ، وعبد الله بن واقد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : قدمت على عائشة - رضي الله عنها - : فبينا [ ص: 180 ] نحن جلوس عندها مرجعها من العراق ليالي قوتل علي - رضي الله عنه - إذ قالت : لي يا عبد الله بن شداد ، هل أنت صادقي عما أسألك عنه ؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي ، قلت : وما لي لا أصدقك . قالت : فحدثني عن قصتهم . قلت : إن عليا لما أن كاتب معاوية ، وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس ، فنزلوا أرضا من جانب الكوفة يقال لها : حروراء ، وإنهم أنكروا عليه ، فقالوا : انسلخت من قميص ألبسكه الله ، وأسماك به ، ثم انطلقت فحكمت في دين الله ، ولا حكم إلا لله ، فلما أن بلغ عليا ما عتبوا عليه ، وفارقوه ، أمر فأذن مؤذن لا يدخلن على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن ، فلما أن امتلأ من قراء الناس الدار ، دعا بمصحف عظيم فوضعه علي - رضي الله عنه - بين يديه ، فطفق يصكه بيده ويقول : أيها المصحف ، حدث الناس . فناداه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما تسأله عنه إنما هو ورق ومداد ، ونحن نتكلم بم روينا منه ، فماذا تريد ؟ قال : أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله تعالى يقول الله - عز وجل - في امرأة ورجل : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله ) فأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم حرمة من امرأة ورجل ، ونقموا علي أني كاتبت معاوية ، وكتبت: علي بن أبي طالب ، وقد جاء سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية حين صالح قومه قريشا فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم . فقال سهيل : لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم . قلت : فكيف أكتب ؟ قال : اكتب باسمك اللهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اكتبه " . ثم قال : " اكتب من محمد رسول الله " . فقال : لو نعلم أنك رسول الله لم نخالفك . فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشا ، يقول الله في كتابه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) فبعث إليهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عبد الله بن عباس فخرجت معه حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكواء فخطب الناس ، فقال : يا حملة القرآن ، إن هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ، هذا من نزل فيه وفي قومه : ( بل هم قوم خصمون ) فردوه إلى صاحبه ، ولا تواضعوه كتاب الله - عز وجل - . قال : فقام خطباؤهم فقالوا : والله لنواضعنه كتاب الله ، فإذا جاءنا بحق نعرفه اتبعناه ، ولئن جاءنا بالباطل لنبكتنه بباطله ، ولنردنه إلى صاحبه ، فواضعوه على كتاب الله ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب ، فأقبل بهم ابن الكواء حتى أدخلهم على علي - رضي الله عنه - فبعث علي إلى بقيتهم فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم . قفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتنزلوا فيها حيث شئتم بيننا وبينكم أن نقيكم رماحنا ما لم تقطعوا سبيلا ، أو تطلبوا دما ؛ فإنكم إن فعلتم ذلك فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء ؛ إن الله لا يحب الخائنين . فقالت لهعائشة - رضي الله عنها - : يا ابن شداد ، فقد قتلهم فقال : والله ، ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل ، وسفكوا الدماء ، وقتلوا ابن خباب ، واستحلوا أهل الذمة . فقالت : آلله . قلت : آلله ، الذي لا إله إلا هو لقد كان . قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون به يقولون ذو الثدي ذو الثدي . قلت : قد رأيته ، ووقفت عليه مع علي - رضي الله عنه - في القتلى ، فدعا الناس فقال : هل تعرفون هذا ؟ فما أكثر من جاء يقول : قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي ، فلم يأتوا بثبت يعرف إلا ذلك . قالت : فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق ، قلت : سمعته يقول : صدق الله ورسوله . قالت : فهل سمعت أنت منه ؟ قال : غير ذلك . قلت : اللهم لا . قالت : أجل صدق الله ورسوله ، يرحم الله عليا إنه من كلامه ، كان لا يرى شيئا يعجبه إلا قال : صدق الله ورسوله .

                                                                                                                                                ( وأخبرنا ) أبو عبد الرحمن السلمي ، أنبأ أبو الحسين بن عبدة السليطي ، ثنا أبو محمد : أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ، ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال : عرض على مسلم بن خالد الزنجي ، عن ابن خثيم ، عن ابن عبد الله بن عياض ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد : أنه دخل على عائشة - رضي الله عنها - ونحن عندها مرجعه من العراق ليالي قتل علي - رضي الله عنه - . فذكر الحديث بنحوه .

                                                                                                                                                ( قال الشيخ الإمام - رحمه الله - ) : حديث الثدية حديث صحيح قد ذكرناه فيما مضى ، ويجوز أن لا يسمعه ابن شداد ، وسمعه غيره ، والله أعلم .

                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                الخدمات العلمية