الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            الأخلاق والسياسة (قراءة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه )

            الأستاذ الدكتور / موفق سالم نوري

            سادسا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

            ويدخل في هذا السياق أيضا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي واحدة من أهم قواعد العمل الإسلامي وأخطرها، فامتدت عناية عمر رضي الله عنه المباشرة إليها، يمارسها بنفسه ويعين عليها. فقد وجد الرجال والنساء يتوضأون من حوض واحدة في الحرم المكي، ففرقهم بدرته، ثم نادى: يا فلان! قال: لبيك، قال: لا لبيك ولا سعديك، ألم آمرك أن تتخذ حياضا للرجال وأخرى [ ص: 71 ] للنساء [1] ؟؛ وأراق عمر لبنا خلط بماء [2] ؛ وأمر بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر [3] ؛ وأمر من ينادي بالفارسية، حتى يتعلم غير العرب أيضا، أن لا ينبذ في دباء ولا حنتم ولا مزقت [4] ، حتى لا يغدو خمرا؛ ومنع اجتماع الصبيان مع من يتهم بالفاحشة [5] ؛ ونبه رجلا على إزاره الذي يمس الأرض فقال: ارفع إزارك فإنه أتقى وأنقى وأبقى [6] . ووجد في يد ابن عباس، رضي الله عنهما، خاتما من ذهب، فأخذه ورمى به، وقال ابن عباس، رضي الله عنهما: فلا أنا بحثت عنه، ولا هو رده علي [7] .

            هذه أطراف من أفعال عمر رضي الله عنه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدلل على مبلغ عنايته الفائقة في القيام بهذه القاعدة على خير وجه، فهي إحدى المعايير المهمة على سلامة الدين وسلامة القيام به.

            ولم يكتف عمر رضي الله عنه بما هو تحت ناظريه، فكتب إلى عمال الأمصار أن يأخذوا الناس بهذه القاعدة أيضا، فعمر رضي الله عنه إمام المسلمين وخليفتهم - يدرك جيدا - أن مسؤوليته تبدأ من أقرب إنسان إليه لتنتهي عند أقصاهم في أقصى بقعة من بلاد المسـلمين. فقـد كتب إلى أحد قادته في الأطراف: "يا عتبة [ ص: 72 ] ابن فرقد! إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير، فإن رسـول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبوس الحرير" [8] ؛ وكتب إلى عماله منبها ومذكرا: "إنكم بأرض يخالط طعام الناس ولباسهم الميتة، فلا تأكلوا إلا ذكيا، ولا تلبسوا إلا ذكيا" [9] .

            يتبين من هذا، وغيره كثير، أن عمر رضي الله عنه لم يتهاون في شيء من أمر الدين مهما كان صغـيرا أو كبيرا، وهـو لم يمـالئ في ذلك أحـدا بسبب عصبية أو وجاهة أو غير ذلك، فالجميع في الأمر والنهي سواء. وكان عمر رضي الله عنه في منهجه يأخذ باللين والرقة أحيانا وبالشدة والحزم أحيانا أخرى، يوازن في الأمور بحسب تقديره لما هو صالح، وكان الداني والقاصي عنده سواء في الأمر والنهي، فهو المسؤول عنهم جميعا، لا يمنعه من ذلك بعد البعيد.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية