الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                45 ص: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا عبد الله بن وهب ، أن مالكا حدثه، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة ، عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة : " أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها أبو قتادة الإناء حتى شربت، قالت كبشة: : فجعلت أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ قالت: قلت: نعم. قال: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات" .

                                                التالي السابق


                                                ش: يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري ، شيخ مسلم والنسائي .

                                                وعبد الله بن وهب المصري ، روى له الجماعة.

                                                ومالك هو ابن أنس الإمام المشهور.

                                                وإسحاق بن عبد الله هو ابن أخي أنس بن مالك ، روى له الجماعة.

                                                [ ص: 144 ] وحميدة -بضم الحاء وعن مالك بفتحها- بنت عبيد بن رفاعة الأنصارية زوجة إسحاق المذكور، روى لها الأربعة.

                                                وكبشة بنت كعب بن مالك الأنصارية زوجة ابن أبي قتادة ، روى لها الأربعة، ووثقها ابن حبان .

                                                وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الخزرجي الأنصاري ، واسم أبيه عبد الله .

                                                وأخرجه الأربعة، فأبو داود : عن القعنبي ، عن مالك ... إلى آخره، مثله، غير أن قوله: "من الطوافين عليكم والطوافات" من غير شك.

                                                والترمذي : عن إسحاق بن موسى ، عن معن ، عن مالك ، ... إلى آخره نحوه، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

                                                والنسائي : عن قتيبة ، عن مالك ... إلى آخره نحوه.

                                                وابن ماجه : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن زيد بن حباب ، عن مالك ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه" وقال: وقد صحح مالك هذا الحديث واحتج به في "موطئه" وقد شهد البخاري ومسلم لمالك أنه الحكم في حديث المدنيين ، فوجب الرجوع إلى هذا الحديث في طهارة الهر ، ورواه [ ص: 145 ] ابن خزيمة وابن منده في صحيحيهما.

                                                فإن قلت: قد قال ابن منده : وحميدة وخالتها كبشة لا تعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث ومحلهما محل الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر بوجه من الوجوه.

                                                قلت: لعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتثبت. وقال البيهقي : قال البخاري : جوده مالك وروايته أصح من غيره.

                                                قوله: "فسكبت له وضوءا" بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به.

                                                قوله: "فأصغى لها" أي أماله ليسهل عليها الشرب، قال الجوهري : صغي يصغو ويصغي صغوا أي مال، وكذلك صغي -بالكسر- يصغي صغا وصغيا، وصغت النجوم: مالت للغروب، وأصغيت أنا: أملت.

                                                قوله: "نعم" بفتح النون، وكنانة تكسرها، وبها قرأ الكسائي وهي حرف تصديق ووعد وإعلام، فالأول بعد الخبر، والثاني بعد افعل ولا تفعل، والثالث بعد الاستفهام، وها هنا للإعلام.

                                                قوله: "إنها ليست بنجس" بفتح النون والجيم، ويقال لكل شيء مستقذر: نجس; قال الله تعالى: المشركون نجس فلا وهذا تعليل لإصغائه الإناء إليها.

                                                قوله: "إنها من الطوافين عليكم" تعليل لقوله: "إنها ليست بنجس" والطوافون هم بنو آدم ويدخل بعضهم على بعض بالتكرار، والطوافات هي المواشي التي يكثر وجودها عند الناس مثل الغنم والبقر والإبل، وجعل النبي - عليه السلام - الهر من القبيلين لكثرة طوافه واختلاطه بالناس، وأشار إلى الكثرة بصيغة التفعيل; لأنه للتكثير [ ص: 146 ] والمبالغة، وموصوف كل واحد من الطوافين والطوافات محذوف أقيمت الصفة مقامه، ويقدر ذلك بحسب ما يليق له، مثل ما يقال: خدم طوافون، وحيوانات طوافات، وقال تعالى: طوافون عليكم بعضكم على بعض يعني المماليك والخدم الذين لا يقدر على التحفظ منهم غالبا. ثم إنه وقع "أو الطوافات" بحرف الشك في رواية الطحاوي ، وكذا في رواية ابن ماجه ، ووقع عند غيرهما بواو العطف، وقد روي الوجهان عن مالك رحمه الله.




                                                الخدمات العلمية