الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                9 [ ص: 79 ] ص: حدثنا بذلك أبو بكرة بكار بن قتيبة البكراوي ، قال: حدثنا أبو داود ، قال: ثنا أبو عقيل الدورقي ، قال: حدثنا الحسن: " أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهم قبة في المسجد، فقالوا: يا رسول الله، قوم أنجاس. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء، إنما أنجاس الناس على أنفسهم". .

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بذلك إلى ما ذكره من قوله - عليه السلام -: "إن الأرض لا تنجس" .

                                                وبكار بن قتيبة هو القاضي الزاهد المشهور، روى عنه أيضا أبو عوانة وأبو بكر بن خزيمة في صحيحيهما، والبكراوي نسبة إلى أبي بكرة نفيع بن الحارث الصحابي; لأنه من نسله ونسب هكذا ليكون فرقا بينه وبين النسبة إلى أبي بكر ، فإن فيه يقال: بكري. والمراد بأبي داود هو الطيالسي صاحب المسند واسمه سليمان بن داود بن الجارود البصري الحافظ ، روى له الجماعة، البخاري مستشهدا.

                                                وأبو عقيل -بفتح العين- اسمه بشير بن عقبة الناجي -بالنون والجيم- السامي البصري من رجال الصحيحين، والدورقي -بفتح الدال وسكون الواو وفتح الراء وفي آخره قاف- نسبة إلى دورق من بلاد خوزستان .

                                                والحسن هو البصري الإمام المشهور.

                                                وهذا من مراسيل الحسن ، وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عن الثوري ، عن يونس، عن الحسن قال: جاء النبي - عليه السلام - رهط من ثقيف ، فأقيمت الصلاة، فقيل: يا نبي الله، إن هؤلاء مشركون! قال: إن الأرض لا ينجسها شيء" .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا في "مصنفه" نحوه.

                                                [ ص: 80 ] والحديث المسند فيه ما أخرجه البيهقي في "سننه": من حديث حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن عثمان بن أبي العاص : "أن وفد ثقيف قدموا على النبي - عليه السلام - فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا على النبي - عليه السلام - ألا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا ولا يستعمل عليهم من غيرهم. فقال: لا تحشروا ولا تعشروا ولا تجبوا ولا يستعمل عليكم من غيركم، ولا خير في دين ليس فيه ركوع" .

                                                وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده".

                                                قوله: "إن وفد ثقيف " الوفد جمع وافد كركب جمع راكب وهم القوم يجتمعون ويردون البلاد، وكذلك يقصدون الأمراء لزيارة أو استرفاد وانتجاع وغير ذلك، تقول: وفد يفد فهو وافد، وأوفدته فوفد، وأوفد على الشيء فهو موفد إذا أشرف، وثقيف أبو قبيلة من هوازن واسمه فسي ، والنسبة إليه ثقفي، وأصله من ثقف الرجل ثقافة أي صار حاذقا خفيفا فهو ثقف مثل ضخم ومنه المثاقفة، والثقاف ما تسوى به الرماح.

                                                قوله: "ضرب لهم قبة" أي نصبها وأقامها على أوتاد، وهذه المادة تستعمل لمعان كثيرة، والقبة -بضم القاف- بيت صغير مستدير من بيوت العرب قاله ابن الأثير ، وقال الجوهري : هي من البناء والجمع قبب وقباب.

                                                قوله: "قوم أنجاس" مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هم قوم أنجاس، جمع نجس بفتحتين.

                                                قوله: "إنه" أي إن الشأن.

                                                ومعنى قوله: "إنه ليس من أنجاس الناس على الأرض شيء" أي الأرض لا تنجس بنزول المشركين عليها، وليس المعنى أنها لا تنجس إذا أصابتها النجاسة.

                                                [ ص: 81 ] ومعنى قوله: "إنما أنجاس الناس على أنفسهم" أي أنجاسهم منحصرة عليهم لا تعدو إلى غيرهم، وكان قدوم وفد ثقيف على رسول الله - عليه السلام - في رمضان سنة تسع من الهجرة وكانوا بضعة عشر رجلا منهم كنانة بن عبد ياليل وهو رئيسهم، وفيهم عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد.

                                                قوله: "ألا يحشروا ولا يعشروا" أي لا يندبون إلى المغازي ولا تضرب عليهم البعوث، وقيل: لا يحشرون إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم بل يأخذها في أماكنهم.

                                                قوله: "ولا يجبوا" من التجبية -بالجيم- وهو أن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: هو أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم، وقيل: هو السجود، والمراد من قولهم: "لا يجبوا" أنهم لا يصلون، ولفظ الحديث يدل على الركوع لقوله: في جوابهم "لا خير في دين ليس فيه ركوع" فسمى الصلاة ركوعا؛ لأنه بعضها.

                                                ومن فوائده: جواز دخول الكافر المسجد ، وهو حجة على مالك في منعه عن ذلك، واستحباب إكرام الوفد والرسل القادمين، وتهيئة نزلهم ، والنظر في أمرهم، وعدم نجاسة الأرض بدون إصابة النجاسة الحقيقية.




                                                الخدمات العلمية