الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ولا ) تصح ( المزابنة ) لقول ابن عمر { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة } متفق عليه ( وهي ) أي المزابنة ( بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر ) والزبن لغة الدفع الشديد ومنه وصفت الحرب بالزبون ، لشدة الدفع فيها وسمي الشرطي زبنيا ، لأنه يدفع الناس بشدة وعنف ، ( إلا في العرايا التي رخص فيها ) أي رخص فيها صلى الله عليه وسلم رواه أبو هريرة وزيد بن ثابت وسهل بن أبي حثمة متفق عليه .

                                                                                                                      ( وهي ) أي العرايا جمع عرية قال الجوهري : العرية النخلة يعريها رجلا محتاجا فيجعل ثمرتها طعاما ، فعيلة بمعنى مفعولة وقال أبو عبيد : هي اسم لكل ما أفرد عن جملة سواء كان للهبة أو البيع أو الأكل وقيل : سميت به لأنها معرية من البيع المحرم أي مخرجة منه ( بيع الرطب في رءوس النخل ) لأن الرخصة وردت في بيعه على أصوله للأخذ شيئا فشيئا لحاجة التفكه روي عن محمود بن لبيد قال { قلت لزيد : ما عراياكم هذه ؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا ، وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا } متفق عليه .

                                                                                                                      ( خرصا بمآله ) أي بما يئول إليه الرطب ( يابسا ) لا أقل ولا أكثر لأن الشارع أقام الخرص مقام الكيل ولا يعدل عنه كما لا يعدل عن الكيل فيما يشترط فيه الكيل [ ص: 259 ] ( بمثله من التمر ) فلا يجوز بيعها بخرصها رطبا ، ولا بزيادة عن خرصها أو أنقص منه ( كيلا ) أي يكون التمر المشترى به كيلا ( معلوما لا جزافا ) لقوله في الحديث { رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا } ولأن الأصل اعتبار الكيل من الجانبين سقط في أحدهما وأقيم الخرص مقامه للحاجة فيبقى الآخر على مقتضى الأصل ( فيما دون خمسة أوسق ) لقول أبي هريرة { إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق } متفق عليه شك داود بن الحصين أحد رواته فلا يجوز في الخمسة لوقوع الشك فيها ( لمن به حاجة إلى أكل الرطب ) لما تقدم من الحديث وما جاز للحاجة لا يجوز عند عدمها كالزكاة للمساكين ( ولا نقد معه ) أي مع المشتري لما تقدم في حديث زيد .

                                                                                                                      ( فيصح ) بيع العرايا بهذه الشروط ( ولو كان ثمر النخل ) أي الرطب الذي على رءوس النخل ( غير موهوب لبائعه ) أي لا يشترط في العرية أن تكون موهوبة لبائعها خلافا للخرقي وصاحب التلخيص ( فإن كان ) الرطب في العرية .

                                                                                                                      وفي نسخ : فإن كانت أي العرية ( خمسة أوسق فأكثر بطل ) البيع ( في الجميع ) لما تقدم من حديث أبي هريرة ( ويشترط فيها ) أي في العرايا ( حلول وقبض من الطرفين في مجلس بيعها ف ) القبض في ( نخل بتخليته ) أي تخلية البائع بين المشتري وبينه ( و ) القبض ( في تمر بكيله ) لما تقدم .

                                                                                                                      ( ولو أسلم أحدهما ) ما عليه ( ثم مشيا معا إلى الآخر فتسلمه ، صح ) البيع ، لعدم التفرق قبل القبض .

                                                                                                                      ( ولو باع رجل عارية من رجلين فأكثر فيها ) أي في معرية ( أكثر من خمسة أوسق جاز ) البيع حيث كان ما أخذه كل واحد دون خمسة أوسق ( فلا ينفذ ) البيع ( في حق البائع بخمسة أوسق ) بل ينفذ في حق المشتري .

                                                                                                                      ( وإن اشترى ) إنسان ( عريتين فأكثر من رجلين فأكثر ، وفيهما أقل من خمسة أوسق جاز ) البيع لوجود شرطه وإن كان فيهما خمسة أوسق فأكثر لم يجز .

                                                                                                                      ( ولا يجوز بيع العرية لغني ) معه نقد يشتري به لمفهوم ما تقدم ( ولو باعها ) أي العرية ( لواهبها تحرزا من دخول صاحب العرية ، أو ) من دخول ( غيره لا لحاجة الأكل ) لم يجز لما سبق ( أو اشتراها ) أي العرية ( ب ) مثل ( خرصها رطبا لم يجز ) لما سبق ( ولو احتاج ) إنسان ( إلى أكل التمر ولا ثمن معه إلا الرطب لم يبعه به ) أي التمر ( فلا تعتبر حاجة البائع ) لأن الرخصة لا يقاس عليها .

                                                                                                                      وقال أبو بكر والمجد : بجوازه وهو بطريق التنبيه ، لأنه إذا جاز مخالفة الأصل لحاجة [ ص: 260 ] التفكه فلحاجة الاقتيات أولى والقياس على الرخصة جائز إذا فهمت العلة .

                                                                                                                      ( ولا يباع الرطب الذي على الأرض بتمر ) للنهي عنه كما سبق ( ولا تصح في سائر الثمار ) اقتصارا على مورد النص ، وغيرها لا يساويها في الحاجة .

                                                                                                                      وفي الترمذي من حديث رافع وسهل مرفوعا { أنه نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم وعن بيع العنب بالزبيب } .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية