الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  812 ( وقال لنا آدم : حدثنا شعبة ، عن أيوب ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى في الفريضة ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : قال لنا آدم ، ولم يقل حدثنا آدم ، لأنه لم يذكره لهم نقلا وتحميلا بل مذاكرة ومحاورة ، ومرتبته أحط درجة من مرتبة التحديث ، وقال بعضهم : هو محتمل لكنه ليس بمطرد ، لأني وجدت كثيرا مما قال فيه قال لنا في الصحيح قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة حدثنا ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : الصواب ما ذكره الكرماني أنه من باب المذاكرة ، وهكذا قال صاحب التوضيح إنه من باب المذاكرة ، والكرماني ما ادعى الاطراد فيه حتى يكون هذا محتملا ، بل الظاهر منه أنه غير موصول ولا مسند ولا يلزم من قوله : " لأني وجدت كثيرا " ... إلى آخره أن يكون قد أسند أثر ابن عمر هذا في تصنيف آخر غيره بصيغة التحديث ، ولهذا قال صاحب التلويح : هذا التعليق أسنده ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي سبحته مكانه .

                                                                                                                                                                                  وقد اختلف العلماء في هذا الباب فأكثرهم كما نقله ابن بطال عنهم على كراهة مكث الإمام إذا كان إماما راتبا ، إلا أن يكون مكثه لعلة كما فعله الشارع ، قال : وهو قول الشافعي وأحمد ، وقال أبو حنيفة : كل صلاة يتنفل بعدها يقوم ، وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصبح ، فهو مخير ، وهو قول أبي مجلز لاحق ابن أبي حميد ، وقال أبو محمد من المالكية : ينتقل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه شيء من سجود السهو ولا غيره ، وحكى الشيخ قطب الدين الحلبي في شرحه : هكذا عن محمد بن الحسن ، وذكره ابن التين أيضا ، وذكر ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وعائشة [ ص: 139 ] رضي الله تعالى عنهما قالا : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام . وقال ابن مسعود أيضا : كان صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته انتقل سريعا ، إما أن يقوم وإما أن ينحرف . وقال سعيد بن جبير : شرق أو غرب ولا يستقبل القبلة . وقال قتادة : كان الصديق إذا سلم كان على الرضف حتى ينهض . وقال ابن عمر : الإمام إذا سلم قام . وقال مجاهد : قال عمر رضي الله تعالى عنه : جلوس الإمام بعد السلام بدعة ، وذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الإمام إذا سلم قام ، ومن صلى خلفه من المأمومين يجوز لهم القيام قبل قيامه ، إلا رواية عن الحسن والزهري ، ذكره عبد الرزاق ، وقال : لا تنصرفوا حتى يقوم الإمام . قال الزهري : إنما جعل الإمام ليؤتم به . وجماعة الناس على خلافهما ، وروى ابن شاهين في كتاب المنسوخ من حديث سفيان عن سماك عن جابر : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء . ومن حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ساعة يسلم يقوم ، ثم صليت مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه كان إذا سلم وثب من مكانه وكأنه يقوم عن رضفة . ثم حمل ابن شاهين الأول على صلاة لا يعقبها نافلة ، والثاني على مقابله .

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن الجمهور على أن الإمام لا يتطوع في مكانه الذي صلى فيه الفريضة ، وذكر ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه : لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكان أو يفصل بينهما بكلام ، وكرهه ابن عمر للإمام ، ولم ير به بأسا لغيره ، وعن عبد الله بن عمرو مثله ، وعن القاسم أن الإمام إذا سلم فواسع أن يتنفل في مكانه ، قال ابن بطال : ولم أجده لغيره من العلماء . قلت : ذكر ابن التين أنه قول أشهب .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية