الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  881 46 - حدثنا محمد بن معمر قال : حدثنا أبو عاصم ، عن جرير بن حازم قال : سمعت الحسن يقول : حدثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو سبي فقسمه فأعطى رجالا [ ص: 225 ] وترك رجالا ، فبلغه أن الذين ترك عتبوا ; فحمد الله ، ثم أثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل ، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير ، فيهم عمرو بن تغلب ، فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ثم قال أما بعد " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) ، وهم خمسة : الأول : محمد بن معمر بفتح الميمين أبو عبد الله البصري العبسي المعروف بالبحراني ضد البراني ، الثاني : أبو عاصم النبيل ، واسمه الضحاك بن مخلد ، الثالث : جرير بفتح الجيم ، وتكرار الراءين ، ابن حازم بالحاء المهملة ، وبالزاي ، الرابع : الحسن البصري ، الخامس : عمرو بفتح العين ابن تغلب بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة ، وكسر اللام ، وفي آخره باء موحدة العبدي التميمي البصري ، روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان رواهما البخاري .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين في الرواة ، وفي موضع آخر عن الصحابي ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه السماع ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه أن رواته كلهم بصريون ، وفيه أن هذا الحديث من أفراد البخاري ، وأخرجه أيضا في الخمس عن موسى بن إسماعيل ، وفي التوحيد عن أبي النعمان .

                                                                                                                                                                                  وقال عبد الغني : لم يرو عن عمرو بن تغلب غير الحسن البصري فيما قاله غير واحد . قلت : لعل مراده في الصحيح ، وإلا فقد قال ابن عبد البر : إن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضا ، كما نبه عليه المزي رحمه الله . فإن قلت : قال الحاكم وعليه الجمهور : إن شرط البخاري في صحيحه أن لا يذكر إلا حديثا رواه صحابي مشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وله راويان ثقتان فأكثر ، ثم يرويه عنه تابعي مشهور ، وله أيضا راويان ثقتان فأكثر ، ثم كذلك في كل درجة ، وهذا الحديث لم يروه عن عمرو بن تغلب إلا راو واحد ، وهو الحسن . قلت : قد ذكرت لك أن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) ، قوله : “ أتى بالمال أو بشيء " بالشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف بعدها همزة ، ويروى بسبي بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها ياء آخر الحروف ، ويروى " أو سي " بدون حرف الباء ، وفي رواية الإسماعيلي " أتي بمال من البحرين " ، قوله : “ فبلغه أن الذين ترك " كذا بخط الحافظ الدمياطي ، وقال الحافظ قطب الدين : الذي في أصل روايتنا " أن الذي ترك " ، قلت : الضمير الذي في ترك يرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومفعوله محذوف تقديره : أن الذين تركهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتبوا ; حيث حرموا عن العطاء ، وأما وجه " أن الذي " بإفراد الموصول فعلى تقدير أن الصنف الذي تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ أما بعد " أي : أما بعد الحمد لله تعالى ، والثناء عليه ، قوله : “ وإني أعطي الرجل " أعطي بلفظ المتكلم لا بلفظ المجهول من الماضي ، قوله : “ وأدع الرجل " أي : الرجل الآخر ، وأدع بلفظ المتكلم أيضا ، أي : أترك ، قوله : “ من الذي أعطي " على لفظ المتكلم أيضا ، ومفعول أعطي الذي هو صلة الموصول محذوف ، قوله : “ لما أرى " من نظر القلب لا من نظر العين ، قوله : “ من الجزع " بالتحريك ضد الصبر يقال جزع جزعا ، وجزوعا فهو جزع ، وجازع ، وقال يعقوب : الجزع الفزع ، وقال ابن سيده : وجزع ، وجزاع .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ والهلع " بالتحريك أيضا ، وهو أفحش الفزع ، وقال محمد بن عبد الله بن طاهر لأحمد بن يحيى : ما الهلوع ؟ فقال : قد فسره الله تعالى حيث قال : إن الإنسان خلق هلوعا بقوله : إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ويقال : الهلع والهلاع والهلعان : الجبن عند اللقاء ، وفي أمالي ثعلب : الهلواعة الرجل الجبان ، وفي تهذيب أبي منصور قال الحسن بن أبي الحسن : الهلوع الشره ، وعن الفراء : الضجور ، وقال أبو إسحاق : الهلوع الذي يفزع ويجزع من الشر ، وقال القزاز : الهلع سوء الجزع ، ورجل هلعة مثال همزة : إذا كان يجزع سريعا .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ من الغنى والخير " أي : أتركهم مع ما وهب الله تعالى لهم من غنى النفس فصبروا وتعففوا عن المسألة والشره ، قوله : “ بكلمة رسول الله " مثل هذه الباء تسمى بالباء البدلية ، وباء المقابلة ; نحو : اعتضت بهذا الثوب خيرا منه ، أي : ما أحب أن حمر النعم لي بدل [ ص: 226 ] كلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أي : يقابلها ، أي : هذه الكلمة كانت أحب إلي منها ، وكيف لا والآخرة خير وأبقى ، والحمر بضم الحاء المهملة وسكون الميم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية