الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  ( وقال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء ، كل امرئ لنفسه ، فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ، أو يأمنوا ، فيصلوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا فلا يجزئهم التكبير ، ويؤخروها حتى يأمنوا ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أشار بهذا إلى مذهب عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أنه إن كان تهيأ الفتح أي تمكن فتح الحصن ، والحال أنهم لم يقدروا على الصلاة أي على إتمامها أفعالا وأركانا ، وفي رواية القابسي : إن كان بها الفتح بالباء الموحدة وهاء الضمير ، قيل : إنه تصحيف ، قوله : "صلوا إيماء" أي صلوا مومئين إيماء ، قوله : "كل امرئ لنفسه” أي كل شخص يصلي بالإيماء ، منفردا بدون الجماعة ، قوله : "لنفسه" أي لأجل نفسه دون غيره بأن لا يكون إماما لغيره ، قوله : "فإن لم يقدروا على الإيماء" أي بسبب اشتغال القلب والجوارح لأن الحرب إذا اشتد غاية الاشتداد لا يبقى قلب المقاتل وجوارحه إلا عند القتال ، ويتعذر عليه الإيماء ، وقيل : يحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء ، فيعجز عن الإيماء إلى جهة القبلة ، فإن قلت : كيف يتعذر الإيماء مع حصول العقل ، قلت : عند وقوع الدهشة يغلب العقل ، فلا يعمل عمله ، قوله : "أو يأمنوا" استشكل فيه ابن رشيد بأنه جعل الأمن قسيم الانكشاف ، وبه يحصل الأمن ، فكيف يكون قسيمه ؟ وأجاب الكرماني عن هذا فقال : قد ينكشف ، ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة ، وقد يأمن لزيادة القوة ، وإيصال المدد مثلا ، ولم يكن منكشفا بعد ، قوله : "فإن لم يقدروا" يعني على صلاة ركعتين صلوا ركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا على صلاة ركعة وسجدتين يؤخرون الصلاة ، فلا يجزيهم التكبير ، وقال الثوري : يجزيهم التكبير ، وروى ابن أبي شيبة من طريق عطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبي البختري في آخرين ، قالوا : إذا التقى الزحفان ، وحضرت الصلاة ، فقالوا : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، فتلك صلاتهم بلا إعادة ، وعن مجاهد ، والحكم : إذا كان عند الطراد والمسايفة يجزي أن تكون صلاة الرجل تكبيرا ، فإن لم يمكن إلا تكبيرة أجزأته أين كان وجهه ، وقال إسحاق بن راهويه : تجزئ عند المسايفة ركعة واحدة يومئ بها إيماء ، فإن لم يقدر فسجدة ، فإن لم يقدر فتكبيرة ، قوله : "حتى يأمنوا” أي حتى يحصل لهم الأمن التام ، وحجة الأوزاعي فيما قاله حديث جابر رضي الله تعالى [ ص: 261 ] عنه ، أن من لم يقدر على الإيماء أخر الصلاة حتى يصليها كاملة ، ولا يجزئ عنها تسبيح ولا تهليل لأنه صلى الله عليه وسلم قد أخرها يوم الخندق ، وهذا استدلال ضعيف ، لأن آية صلاة الخوف لم تكن نزلت قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                  ( وبه قال مكحول )

                                                                                                                                                                                  أي بقول الأوزاعي قال مكحول أبو عبد الله الدمشقي فقيه أهل الشام التابعي ، ولد مكحول بكابل لأنه من سبيه ، فرفع إلى سعيد بن العاص ، فوهب لامرأة من هذيل ، فأعتقته ، وقيل غير ذلك ، وقال محمد بن سعد : مات سنة ست عشرة ومائة ، قال العجلي : تابعي ثقة ، وروى له البخاري في «كتاب الأدب والقراءة خلف الإمام" وروى له مسلم ، والأربعة ، وقال الكرماني : قوله : "وبه قال مكحول" يحتمل أن يكون من تتمة كلام الأوزاعي ، وأن يكون تعليقا من البخاري ، قلت : الظاهر أنه تعليق وصله عبد بن حميد في « تفسيره " عنه من غير طريق الأوزاعي بلفظ : إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين ، فإن لم يقدروا ، فركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا أخروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية