الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  856 21 - حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله ، فغدا لليهود وبعد غد [ ص: 193 ] للنصارى ، فسكت ، ثم قال : حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " كل مسلم " لأن المراد من كل مسلم هو المسلم المحتلم ; لأن الأحاديث الواردة في هذا الباب يفسر بعضها بعضا ، وقد مر في الحديث السابق على كل محتلم ، وليس المراد من لفظ محتلم أي محتلم كان ; بل المراد كل محتلم مسلم ، وهذا معلوم بالضرورة ، فإذا كان المراد المسلم المحتلم يخرج عنه المسلم غير المحتلم ، وهو يدخل في قوله : " من لم يشهد الجمعة " وأيضا المراد من المسلم هو المسلم الذي يجيء إلى الجمعة يدل عليه حديث ابن عمر المذكور في أول الباب ، والمسلم الذي لا يجيء يخرج منه ، وبهذا التقرير يخرج الجواب عما قاله الكرماني .

                                                                                                                                                                                  التحقيق أن الحديث الأول أعني حديث ابن عمر دل على أن الغسل لمن جاء إلى الجمعة خاصة ، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة عام للمجمع وغيره ، فلا يحتاج إلى الجواب بقوله : لا منافاة بين ذكر الخاص والعام ; لأن المنافاة حاصلة بحسب الظاهر لاتحاد المحل ، والتحقيق ما ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري ، ووهيب بن خالد البصري صاحب الكرابيس ، وابن طاوس عبد الله ، وأبوه طاوس بن كيسان ، وأبو هريرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في أربعة مواضع ، وفيه أن الاثنين الأولين من الرواة بصريان ، والاثنين الآخرين يمانيان ، وفيه رواية الابن عن الأب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في ذكر بني إسرائيل عن موسى بن إسماعيل عن وهيب ، وأخرجه مسلم في الجمعة عن ابن عمر عن سفيان عن ابن طاوس به دون ذكر الغسل ، وعن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد عن وهيب بذكر الغسل فقط ، وأخرجه النسائي فيه عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان مثل حديث ابن أبي عمر ، وأول الحديث ، وهو من قوله : " نحن الآخرون السابقون بعد غد " أخرجه البخاري في باب فرض الجمعة عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، وقد تكلمنا على جميع ما يتعلق به هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ فغدا لليهود " ظرف متعلق إما بالخبر ، وإما بالمبتدأ تقديره الاجتماع لليهود في غد ، وللنصارى من بعد غد ، ويروى فغد بالرفع على أنه مبتدأ في حكم المضاف ، فلا يضر كونه في الصورة نكرة ، تقديره : فغد الجمعة لليهود ، وغد بعد غد للنصارى ، قوله : “ فسكت " أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قوله : “ فحق " الفاء فيه يجوز أن تكون جواب شرط محذوف تقديره إذا كان الأمر كذلك فحق على كل مسلم أن يغتسل ، وكلمة أن مصدرية ، قوله : “ يوما " مبهم هنا ، وقد عينه جابر في حديث عند النسائي بلفظ الغسل واجب على كل مسلم في كل أسبوع يوما ، وهو يوم الجمعة ، وصححه ابن خزيمة ، وروى سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة من حديث البراء بن عازب مرفوعا نحوه ، ولفظه : من الحق على المسلم أن يغتسل يوم الجمعة ، وبنحوه روى الطحاوي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الصحابة مرفوعا ، قوله : “ وجسده " أي : ويغسل جسده أيضا ، وإنما ذكر الرأس ، وإن كان ذكر الجسد يشمله للاهتمام به من حيث إنه قوام البدن والعمدة فيه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية