الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  737 159 - حدثنا آدم قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا سيار بن سلامة قال : دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي ، فسألناه عن وقت الصلوات فقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين تزول الشمس والعصر ، ويرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية ، ونسيت ما قال في المغرب ، ولا يبالي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل ولا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها ، ويصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه ، وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " وكان يقرأ " إلى آخره ، وفيه إثبات القراءة في الفجر ولأجل ذلك بوب البخاري هذا التبويب مع أنه ذكر هذا الحديث في باب وقت الظهر عند الزوال ، وأخرجه هناك عن حفص بن عمر ، عن شعبة ، عن أبي المنهال ، عن أبي برزة بفتح الباء الموحدة واسمه نضلة بن عبيد ، وأخرج هاهنا عن آدم بن أبي إياس إلى آخره ، وقد ذكرنا هناك جميع ما يتعلق به .

                                                                                                                                                                                  قوله : "عن وقت الصلوات " وفي رواية أبي ذر " الصلاة " بالإفراد والمراد المكتوبات . قوله : " وكان يقرأ " إلى آخره معناه من الآيات ما بين الستين إلى المائة ، وهذه الزيادة تفرد بها شعبة ، عن أبي المنهال ، والشك فيه منه ، وروى أبو داود من حديث عمرو بن حريث قال : " كأني أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة : فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس " أراد أنه كان يقرأ إذا الشمس كورت وهي مكية وتسع وعشرون آية ، وزاد أبو جعفر : فأين تذهبون ومائة وأربعون كلمة وخمس مائة وثلاثة وثلاثون حرفا ، والخنس النجوم التي تخنس بالنهار فلا ترى ، وتكنس بالليل إلى مجاريها أي تستتر كما يكنس الظبا في المغار وهي الكناس ، وقال الفراء : هي النجوم الخمسة : زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ، وروى مسلم من حديث قطبة بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح : والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا أراد أنه كان يقرأ سورة ق والقرآن المجيد وهي مكية وهي خمس وأربعون آية وثلاثمائة وسبع وخمسون كلمة وألف وأربعمائة وتسعون حرفا ، ومعنى قوله : والنخل باسقات يعني طوالا في السماء ، وقيل بسوقها استقامتها في الطول ، وقيل مواقير وحوامل ، وروى مسلم أيضا من حديث جابر بن سمرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الفجر بقاف ، وكانت قراءته بعد تخفيف ، وعند السراج : بقاف ونحوها ، وفي لفظ : وأشباهها ، وروى النسائي عن أم هشام بنت حارثة قالت : ما أخذت قاف إلا من وراء النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي بها الصبح ، وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف ، وإن كان ليؤمنا بالصافات في الفجر " قلت : هي مكية وهي مائة واثنتان وثلاثون آية وثمان مائة وستون كلمة وثلاثة آلاف وثمان مائة وستة وعشرون حرفا ، وروى أبو داود ، عن رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح بالروم ، أي بسورة الروم وهي مكية وهي ستون آية وثمان مائة وسبع عشرة كلمة وثلاثة آلاف وخمس مائة وأربعة وثلاثون حرفا ، وروى أبو موسى المديني في كتاب الصحابة أن عمر الجهني قال : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقرأ فيها بسورة الحج ، وسجد فيها سجدتين " قلت : هي مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة ، وهي قوله تعالى : هذان خصمان إلى قوله : وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد وهي ثمان وتسعون آية وألف ومائتان وتسعون كلمة وخمسة آلاف وخمسة [ ص: 32 ] وتسعون حرفا ، وقال الترمذي رحمه الله في جامعه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الصبح بسورة الواقعة ، وروى عنه أنه كان يقرأ في الفجر من ستين آية إلى مائة ، وروى السراج بسند صحيح عن البراء : " صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، فقرأ بأقصر سورتين في القرآن " فإن قلت : ما وجه هذه الاختلافات ؟ قلت : قد ذكرنا فيما مضى أن هذه بحسب اختلاف الأحوال والزمان ، ألا يرى إلى ما روى الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أنس قال : " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر بأقصر سورتين من القرآن ، وقال : إنما أسرعت لتفرغ الأم إلى صبيها ، وسمع صوت صبي " وروى أبو داود بسند صحيح ، عن معاذ بن عبد الله ، عن رجل من جهينة : " سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما " وجاء مثل هذا الاختلاف أيضا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وفي سنن البيهقي عن المعرور بن سويد : " صلى بنا عمر رضي الله تعالى عنه الفجر فقرأ : المر ولإيلاف قريش " وفيه : " وصلى أبو بكر صلاة الصبح بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما " وقال الفرافصة بن عمير : ما أخذت سورة يوسف عليه السلام إلا من قراءة عثمان رضي الله تعالى عنه إياها في الصبح ، من كثرة ما يكررها ، وفي الموطأ قال عامر بن ربيعة : قرأ عمر في الصبح سورة الحج وسورة يوسف عليه السلام قراءة بطيئة ، وقال أبو هريرة : لما قدمت المدينة مهاجرا صليت خلف سباع بن عرفطة الصبح ، فقرأ في الأولى سورة مريم وفي الأخرى سورة ويل للمطففين ، ذكره ابن حبان في صحيحه ولم يسم سباعا ، وعن عمر بن ميمون : لما طعن عمر صلى بهم ابن عوف الفجر فقرأ : إذا جاء نصر الله والكوثر ، وذكر أن عمر قرأ في الصبح بيونس وبهود ، وقرأ عثمان رضي الله تعالى عنه بيوسف والكهف ، وقرأ علي رضي الله تعالى عنه بالأنبياء ، وقرأ عبد الله بسورتين إحداهما بنو إسرائيل ، وقرأ معاذ بالنساء ، وقال أبو داود الأودي : كنت أصلي وراء علي رضي الله تعالى عنه الغداة فكان يقرأ : إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت ، ونحو ذلك من السور ، وجاء مثل ذلك أيضا عن التابعين ، وفي كتاب أبي نعيم ، عن الحارث بن فضيل قال : أقمت عند ابن شهاب عشرا فكان يقرأ في صلاة الفجر تبارك وقل هو الله أحد ، وقال ابن بطال : وقرأ عبيدة بالرحمن وإبراهيم بيسين ، وعمر بن عبد العزيز بسورتين من طوال المفصل ، وقال ابن بطال : وما ذكرنا من الاختلاف من السلف دل أنهم فهموا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة التطويل والتقصير ، وأنه لا حد له في ذلك .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية