الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  788 208 - ( حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اعتدلوا في السجود ، ولا ينبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث المعنى ، فإن معنى قوله : " ولا ينبسط " ولا يفترش . ورجاله قد ذكروا غير مرة ، والحديث أخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن بندار ، وهو محمد بن جعفر . وعن أبي موسى ، كلاهما عن غندر . وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع . وعن يحيى بن حبيب . وأخرجه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم . وأخرجه الترمذي عن محمود بن غيلان . وأخرجه النسائي عن محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل بن مسعود .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) :

                                                                                                                                                                                  قوله : “ عن أنس " في رواية الترمذي التصريح بسماع قتادة له عن أنس . قوله : " اعتدلوا " أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض ، والحاصل أن اعتدال السجود استقامته بين افتراش وتقبيض . قوله : " ولا ينبسط " كذا هو بالنون الساكنة وفتح الباء الموحدة في رواية الأكثرين ، وفي رواية الحموي " ولا يبتسط " بسكون الباء الموحدة وفتح التاء المثناة من فوق من باب الافتعال ، وفي رواية ابن عساكر " ولا يبسط ذراعيه " بالباء الموحدة الساكنة فقط ، وهذه هي الأحسن . وفي رواية الأكثرين تأمل ; لأن باب الانفعال لازم لا ينصب شيئا . والحكمة فيه أنه أشبه للتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض وأبعد من هيئات الكسالى ، فإن المنبسط يشبه الكسالى ، ويشعر حاله بالتهاون وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها ، فلو تركه كان مسيئا مرتكبا لنهي التنزيه وصلاته صحيحة . واعلم أن أبا داود أخرج هذا الحديث وترجم له بقوله : باب صفة السجود ، ثم ذكر هذا الحديث ، ثم قال : باب الرخصة في ذلك ، ثم روى حديث أبي هريرة قال : " اشتكى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا ، فقال : استعينوا بالركب " ، وقال ابن عجلان أحد رواة هذا الحديث : وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيى ، وفي التلويح : وزعم أبو داود أن هذا كان رخصة ، وأما أبو عيسى فإنه فهم منه غير ما قاله ابن عجلان ، فذكره في باب ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود . وروى الترمذي من حديث الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر رضي الله تعالى عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا سجد أحدكم فليعتدل ، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب " . وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها " نهى النبي أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع " .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 98 ] وروى ابن خزيمة من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يرفعه " إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب ، وليضم فخذيه " . وروى مسلم أيضا من حديث البراء قال صلى الله عليه وسلم : " إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " . وروى الحاكم من حديث عبد الرحمن بن شبل قال : " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نقرة الغراب وافتراش السبع ، وأن يوطن الرجل المكان " .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : الحديث المذكور عن قريب الذي أخرجه أبو داود عن أبي هريرة - يعارض هذه الأحاديث . قال الترمذي : باب الرخصة في الإقعاء ، فذكر حديث ابن عباس " الإقعاء على القدمين من سنة نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - " وحسنه ، وفي المشكل للطحاوي : عن عطية العوفي قال : " رأيت العبادلة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم يقعون في الصلاة ، ويراهم الصحابة ، فلا ينكرونه " . وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما " كان يضع يديه إلى جنبيه إذا سجد " .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : قال أبو داود : كان هذا رخصة ، وقد ذكرناه ، وقال أحمد : تركه الناس ، وقال القرطبي : افتراش السبع لا شك في كراهته واستحباب نقيضها ، وقد روى مسلم " عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى يديه ، فلو أن بهمة أرادت أن تمر لمرت " ، وفي لفظ " خوى بيديه - يعني جنح - حتى يرى وضح إبطيه من ورائه " ، وفي الصحيحين من حديث ابن بحينة " كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه " . وعن ابن أقرم " صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه كلما سجد " . قال الترمذي : حديث حسن ، ولا يعرف لابن أقرم غير هذا الحديث ، وقال صاحب التلويح : ذكر البغوي له حديثا آخر في كتاب الصحابة في قوله تعالى : تساقط عليك رطبا جنيا . ولما ذكر أبو علي بن السكن في كتاب الصحابة عبد الله بن أقرم قال : له رواية ثابتة . وعن الحسن ، حدثنا أحمر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن كنا لنأوي للنبي - عليه الصلاة والسلام - مما يجافي بيديه عن جنبيه " . وعن أبي هريرة " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد رئي وضح إبطيه " ، وقال الحاكم : صحيح على شرطهما . " وعن ابن عباس من عنده أيضا : أتيت النبي - عليه الصلاة والسلام - من خلفه ، فرأيت بياض إبطيه وهو ممخ ، قد فرج يديه " وأخرج ابن خزيمة في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه " وصححه أيضا أبو زرعة - .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية