الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه لم يجز أن يبيع لنفسه إلا بأن يحضره رب الرهن " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            إذا اشترط الراهن للمرتهن أن يبيع الرهن عند حلول الحق بغير حضور الراهن لم يجز ، وكان شرطا باطلا ووكالة فاسدة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن استدلالا بأن كل من جاز أن يكون وكيلا في بيع غير الرهن جاز أن يكون وكيلا في بيع الرهن كالأجنبي .

                                                                                                                                            [ ص: 129 ] ولأن كل من جاز توكيله في بيع عين بحضرة المالك جاز توكيله في بيعها مع غيبة المالك ، أصله : ما سوى الرهن .

                                                                                                                                            ولأنها عين يجوز توكيل الأجنبي في بيعها فجاز توكيل المرتهن في بيعها ، أصله : إذا باعه بحضرة الراهن .

                                                                                                                                            ودليلنا : هو أن التوكيل في بيع يختلف فيه قصد الوكيل والموكل لا يصح لأن الوكيل يقوم مقام موكله ، وإذا كان قصده بخلاف قصده لم يصح قيامه مقام موكله .

                                                                                                                                            ألا ترى أنه لا يصح توكيل الرجل في بيع سلعة على نفسه ولا في ابتياعها من نفسه لأن قصده بخلاف قصد موكله ، كذلك الراهن والمرتهن قصدهما مختلف لأن قصد الراهن التوقف عن البيع لتوفير الثمن وقصد المرتهن المبادرة إلى البيع لتعجيل الثمن فلم يصح أن يكون المرتهن وكيلا في البيع كما لم يصح أن يكون بائع السلعة على نفسه وكيلا في البيع .

                                                                                                                                            وقد يتحرر من اعتدال هذا الاستدلال قياسان : أحدهما : أنه معنى يمنع من التوكيل في الابتياع فوجب أن يمنع من التوكيل في البيع كالملك .

                                                                                                                                            والثاني : أنها وكالة يمنع منها الملك فوجب أن يمنع منها الرهن كالابتياع .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسه على الأجنبي فالمعنى في الأجنبي أن قصده لا يخالف قصد الراهن وليس كذلك المرتهن .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسه على بيع ما سوى الرهن فالمعنى فيما سوى الرهن أنه ليس له فيه قصد يخالف قصد الراهن وليس كذلك الراهن .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسه على بيعه بحضرة الراهن فالمعنى فيه أن المرتهن إذا باع الرهن بحضرة الراهن فالبيع منسوب إلى الراهن وقد يمكنه استيفاء قصده ومنع المرتهن من التفرد بقصده وليس كذلك إذا تفرد ببيعه في غيبته .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن هذه الوكالة فاسدة واشتراطها باطل فلا يخلو حالها من أحد أمرين : إما أن تكون مشروطة بعد العقد أو تكون مشروطة بعد الرهن أو تكون مشروطة في عقد الرهن .

                                                                                                                                            فإن كانت مشروطة بعد عقد الرهن ، فالشرط فاسد والوكالة باطلة والرهن صحيح ، وإن كانت مشروطة في عقد الرهن فهذا شرط ينافي موجب الرهن والشروط في الرهن إذا كانت منافية لموجب الرهن على ضربين :

                                                                                                                                            [ ص: 130 ] ضرب منها يكون على المرتهن فهذا إذا شرط في الرهن أبطله . وضرب منها يكون للمرتهن فهذا إذا شرط في الرهن فهل يبطله أم لا على قولين :

                                                                                                                                            وشرط الوكالة للمرتهن لا عليه فهل يبطل الرهن أم لا ؟ على قولين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية