الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإقرار العبد المرهون بما فيه قصاص جائز كالبينة وما ليس فيه قصاص فإقراره باطل " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            قد مضى هذا الفصل في كتاب البيوع بتمامه ، وجملته أن إقرار العبد المرهون بالجناية كإقرار غير المرهون على ما تقدم في كتاب البيوع فإن كانت الجناية خطأ توجب المال كان إقراره مردودا يتبع به إذا أعتق وأيسر ولا يتعلق برقبته لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن رقبته ملك لسيد العبد وإقرار المقر لا ينفذ في ملك الغير .

                                                                                                                                            والثاني : أنه متهم في إقراره ، لأن إقراره إضرار بسيده للخلاص من يده والمتهم في إقراره مردود الإقرار كالسفيه .

                                                                                                                                            فصل : وإذا كانت جنايته عمدا توجب القود كان إقراره نافذا مقبولا وقال زفر بن الهزيل ومحمد بن الحسن وأبو إبراهيم المزني وداود بن علي : إقراره بما يوجب القود مردود كإقراره بما يوجب المال ، استدلالا بأن كل من لا يقبل إقراره في الخطأ لم يقبل في العمد ، كالمجنون والصبي ، ولأنه مقر في غير ملكه فوجب أن لا يقبل إقراره كالخطأ .

                                                                                                                                            ودليلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه ولم يفصل بين حر وعبد ، ولأن كل من لزمه الحد بإقراره لزمه القود بإقراره كالحر ، ولأنه قتل يجب بإقرار الحر فوجب أن يجب بإقرار العبد كالردة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم فمنتقض بالسفيه يقبل إقراره في العمد ولا يقبل إقراره في الخطأ ، فإن لم يلتزموه فالمعنى في المجنون أنه لما لم يجب عليه الحد بإقراره لم يجب عليه [ ص: 163 ] القود بإقراره ولما وجب الحد على العبد بإقراره وجب عليه القود بإقراره ، وأما قياسهم على إقراره بجناية الخطأ فالمعنى في جناية الخطأ لما كان متهما فيها لم يصح إقراره بها ولما لم يتهم في جناية العمد نفذ إقراره بها .

                                                                                                                                            فصل : إذا ثبت أن إقراره بجناية العمد مقبول فالمقر له بالخيار بين أن يقتص من العبد المقر وبين أن يعفو عن القصاص إلى المال وبين أن يعفو عن القصاص والمال ، فإن عفا عن الأمرين كان العبد رهنا بحاله ، وإن اقتص منه نظر ، فإن كان القصاص في نفسه بطل الرهن ، وإن كان في طرفه كان بعد القصاص رهنا بحاله ، وإن عفا عن القصاص إلى المال ثبت المال في رقبته وبيع منه بقدر جنايته ، فإن استغرق أرش الجناية جميع قيمته بيع وبطل الرهن ببيعه ، وإن قابل بعض قيمته بيع منه بقدر جنايته وكان الباقي منه رهنا بحاله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية