الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو رهن عبده رجلين وأقر لكل واحد منهما [ ص: 224 ] بقبضه كله بالرهن وادعى كل واحد منهما أن رهنه وقبضه كان قبل صاحبه وليس الرهن في يدي واحد منهما فصدق الراهن أحدهما فالقول قول الراهن ولا يمين عليه ، ولو أنكر أيهما أول أحلف ، وكان الرهن مفسوخا ، وكذلك لو كان في أيديهما معا ، وإن كان في يدي أحدهما وصدق الذي ليس في يديه ففيها قولان : أحدهما : يصدق ، والآخر : لا يصدق لأن الذي في يديه العبد يملك بالرهن مثل ما يملك المرتهن غيره ، ( قال المزني ) قلت أنا : أصحهما أن يصدق لأنه حق من الحقوق اجتمع فيه إقرار المرتهن ورب الرهن ( قال المزني ) ثم رأيت أن القول قول المرتهن الذي هو في يديه لأن الراهن مقر له أنه أقبضه إياه في جملة قوله وله فضل يديه على صاحبه فلا تقبل دعوى الراهن عليه إلا أن يقر الذي في يديه أن كل واحد منهما قد قبضه فيعلم بذلك أن قبض صاحبه قبله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا كان لرجل عبد فادعى عليه رجلان بارتهانه منه فقال أحدهما : رهنتني عبدك هذا وأقبضت كل واحد فهو رهن بحقي ، وقال الآخر بل رهنتنيه وأقبضتنيه قبل كل واحد فهو رهن بحقي ، فلا يخلو حال هذا العبد من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكذبهما معا .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكذب أحدهما ويصدق الآخر .

                                                                                                                                            والثالث : أن يصدقهما معا .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو أن يكذبهما جميعا فيقول ما رهنته من واحد منكما ، فلا يخلو من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون هناك بينة أو لا يكون ، فإن كانت هناك بينة فلا يخلو إما أن تكون لأحدهما أو لهما ، فإن كانت البينة لأحد المدعيين حكم بها وجعل العبد رهنا في يد صاحبها ، والبينة هاهنا شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين ، لأنها مسموعة فيما يفضى إلى مال ، وإن كانت البينة لكل واحد من المدعيين جميعا فقد تعارضت البينتان ، وقد اختلف قول الشافعي في البينتين إذا تعارضتا على ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : إسقاطها والرجوع إلى الدعوى .

                                                                                                                                            والثاني : الإقراع بينهما والحكم لمن قرعت منهما .

                                                                                                                                            والثالث : استعمالها وقسم الشيء بينهما ، فيجيء في هذا الموضع قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : إسقاط البينتين والرجوع إلى الدعوى .

                                                                                                                                            والثاني : الإقراع بين البينتين والحكم لمن قرعت منهما .

                                                                                                                                            [ ص: 225 ] واختلف أصحابنا في تخريج القول الثالث في هذا الموضع ، وهو استعمال البينتين ، وجعل العبد بينهما نصفين على وجهين ، وهذا حكم البينة ، فأما إن لم يكن هناك بينة فالقول قول المالك مع يمينه بالله ما رهنه من واحد منهما ، فإن حلف فالعبد غير مرهون عن واحد منهما ، وإن نكل فاليمين على المدعيين ، فإذا ردت عليهما لم يخل من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إما أن يحلفا معا ، أو ينكلا معا ، أو يحلف أحدهما وينكل الآخر ، فإن حلفا ففيه وجهان أصحهما لا يكون رهنا عند واحد منهما ، لأن يمين كل واحد منهما تعارض يمين صاحبه .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون العبد رهنا بينهما .

                                                                                                                                            وإن نكلا لم يكن العبد رهنا عند واحد منهما .

                                                                                                                                            فإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي به رهنا للحالف دون الناكل ، فهذا حكم القسم الأول في تكذيبه لهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية