الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن أقام شاهدا على رجل بحق ولم يحلف مع شاهده فليس للغرماء أن يحلفوا ليس لهم إلا ما تم ملكه عليه دونهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في مفلس ادعى على رجل مالا وأقام على دعواه شاهدا ، فإن حلف مع شاهده وجب له المال ، وإن نكل وأجاب الغرماء إلى اليمين مع شاهده لعلمهم بصدقه وأن المال صائر إليهم ففيه قولان ، وهكذا لو ادعى المفلس مالا ليس له به شاهد [ ص: 329 ] وأنكر المدعى عليه ولم يحلف وردت اليمين على المفلس فنكل وأراد الغرماء أن يحلفوا ففيه قولان ، فالجواب في المسألتين واحد ، وفي جواز إحلاف الغرماء فيها قولان :

                                                                                                                                            أحد القولين : وهو القديم يجوز لهم أن يحلفوا لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن مال المفلس صائر إليهم كما يصير مال الميت إلى ورثته ، فلما جاز للورثة أن يحلفوا على مال الميت جاز للغرماء أن يحلفوا على مال المفلس .

                                                                                                                                            والثاني : أن حق الغرماء في مال المفلس أثبت من حق الوكيل في مال الموكل ، فلما جاز للوكيل أن يحلف في إثبات ملك الموكل إذا اختلف الوكيل والبائع في ثمن المبيع وليس يثبت لهم حق في مال الموكل ، فأولى أن يجوز إحلاف الغرماء لثبوت حقوقهم في مال المفلس .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قوله الجديد أنه لا يجوز لهم أن يحلفوا لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المال يملكه المفلس ، ألا ترى أنه لو تلف كان تالفا في حقه ؟ ولا يجوز أن يملك أحد مالا بيمين غيره ؛ لأنها تكون نيابة في الأيمان ، والنيابة في اليمين لا تصح ، كما لا يجوز أن ينوب عنه غير الغرماء ، وليس تعلق حقوق الغرماء بماله دليلا على جواز يمينهم عنه ، ألا ترى أن مستأجر الدار لو غصب منه لم يجز أن يحلف على الغاصب أنه غصبها منه وإن تعلق حقه بها ، ومرتهن الرهن لو غصب منه لم يجز أن يحلف عليه وإن تعلق حق استيفائه به .

                                                                                                                                            والثاني : أن اليمين في إثبات دعوى المفلس كاليمين في نفي الدعوى عنه ، فلما لم يجز للغرماء أن يحلفوا في نفي ما ادعى عليه إذا أنكر ونكل لم يجز أن يحلفوا في إثبات ما ادعاه إذا صارت اليمين له فنكل ، ألا ترى أن الورثة لما جاز لهم أن يحلفوا في إثبات الدعوى للميت جاز أن يحلفوا في نفي الدعوى عنه ، وهذا توجيه وانفصال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية