الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر القبض على علي بن المسيب وما كان بعد ذلك

في هذه السنة قبض المقلد على أخيه علي .

وكان سبب ذلك ما ذكرناه من الاختلاف الواقع بين أصحابهما بالموصل ، واشتغل المقلد بما ذكرناه بالعراق ، فلما خلا وجهه وعاد إلى الموصل عزم على الانتقام من أصحاب أخيه ، ثم خافه ، فأعمل الحيلة في قبض أخيه ، فأحضر عسكره من الديلم والأكراد وأعلمهم أنه يريد قصد دقوقا ، وحلفهم على الطاعة ، وكانت داره ملاصقة دار أخيه ، فنقب في الحائط ودخل إليه وهو سكران ، فأخذه وأدخله الخزانة ، وقبض عليه ، وأرسل إلى زوجته يأمرها بأخذ ولديه قرواش وبدران واللحاق بتكريت ، قبل أن يسمع أخوه الحسن الخبر ، ففعلت ذلك ، وخلصت ، وكانت في الحلة التي له على أربعة فراسخ من تكريت .

وسمع الحسن الخبر ، فبادر إلى الحلة ليقبض أولاد أخيه ، فلم يجدهم وأقام المقلد بالموصل يستدعي رؤساء العرب ويخلع عليهم ، فاجتمع عنده زهاء ألفي فارس ، وسار الحسن في حلل أخيه ، ومعه أولاد أخيه علي وحرمه ، ويستنفرهم على المقلد ، فاجتمع معهم نحو عشرة آلاف ، وراسل المقلد يؤذنه بالحرب ، فسار عن الموصل ، وبقي بينهم منزل واحد ، ونزل بإزاء العلث ، فحضره وجوه العرب ، واختلفوا عليه ، فمنهم من أشار بالحرب ومنهم رافع بن محمد بن مقن ، ومنهم من أشار بالكف عن القتال ، وصلة الرحم ، ومنهم غريب بن محمد بن مقن ، وتنازع هو وأخوه .

فبينما هم ( في ذلك ) قيل لمقلد : إن أختك رهيلة بنت المسيب تريد لقاءك [ ص: 493 ] وقد جاءتك ، فركب وخرج إليها ، فلم تزل معه حتى أطلق أخاه عليا ، ورد إليه ماله ومثله معه ، وأنزله في خيم ضربها له . فسر الناس بذلك ، وتحالفا ، وعاد علي إلى حلته .

وعاد المقلد إلى الموصل ، وتجهز للمسير إلى أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي لأنه تعصب لأخيه علي ، وقصد ولاية المقلد بالأذى فسار إليه .

ولما خرج علي من محبسه اجتمع العرب إليه ، وأشاروا عليه بقصد أخيه المقلد ، فسار إلى الموصل ، وبها أصحاب المقلد ، فامتنعوا عليه ، فافتتحها فسمع المقلد بذلك ، فعاد إليه ، واجتاز في طريقه بحلة أخيه الحسن ، فخرج إليه ، ورأى كثرة عسكره ، فخاف على أخيه علي منه ، فأشار عليه بالوقوف ليصلح الأمر ، وسار إلى أخيه علي وقال له : إن الأعور ، يعني المقلد قد أتاك بحده وحديده وأنت غافل ، وأمره بإفساد عسكر المقلد ، فكتب إليهم ، فظفر المقلد بالكتب فأخذها وسار مجدا إلى الموصل ، فخرج إليه أخواه علي والحسن وصالحاه ، ودخل الموصل وهما معه .

ثم خاف علي فهرب من الموصل ليلا ، وتبعه الحسن ، وترددت الرسل بينهم ، فاصطلحوا على أن يدخل أحدهما البلد في غيبة الآخر ، وبقوا كذلك إلى سنة تسع وثمانين [ وثلاثمائة ] .

ومات علي سنة تسعين [ وثلاثمائة ] وقام الحسن مقامه ، فقصده المقلد ومعه بنو خفاجة ، فهرب الحسن إلى العراق ، وتبعه المقلد فلم يدركه فعاد .

ولما استقر أمر المقلد ، بعد أخيه علي ، سار إلى بلد علي بن مزيد الأسدي فدخله ثانية ، والتجأ ابن مزيد إلى مهذب الدولة ، فتوسط ما بينه وبين المقلد ، وأصلح الأمر معه ، وسار المقلد إلى دقوقا فملكها .

التالي السابق


الخدمات العلمية