الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 5 ] ذكر ابتداء دولة بني بويه

[ بقية سنة 321 هـ ]

وهم عماد الدولة أبو الحسن علي ، وركن الدولة أبو علي الحسن ، ومعز الدولة أبو الحسن أحمد ، أولاد أبي شجاع بويه بن فناخسرو بن تمام بن كوهي بن شيرزيل الأصغر بن شيركنده بن شيرزيل الأكبر بن شيران شاه بن شيرويه بن سشتان شاه بن سيس فيروز بن شيروزيل بن سنباد بن بهرام جور الملك ابن يزدجرد الملك ( ابن هرمز الملك ) ابن شابور الملك بن شابور ذي الأكتاف ، وباقي النسب قد تقدم في [ ص: 6 ] أول الكتاب عند ذكر ملوك الفرس ؛ هكذا ساق نسبهم الأمير أبو نصر بن ماكولا ، رحمه الله .

وأما ابن مسكويه فإنه قال : ( إنهم يزعمون ) أنهم من ولد يزدجرد بن شهريار ، آخر ملوك الفرس ، إلا أن النفس ( أكثر ثقة ) بنقل ابن ماكولا ; لأنه الإمام العالم بهذه الأمور ، وهذا نسب عريق في الفرس ، ولا شك أنهم نسبوا إلى الديلم حيث طال مقامهم ببلادهم .

وأما ابتداء أمرهم ، فإن والدهم أبا شجاع بويه كان متوسط الحال ، فماتت زوجته وخلفت له ثلاثة بنين ، وقد تقدم ذكرهم ، فلما ماتت اشتد حزنه عليها ، فحكى شهريار بن رستم الديلمي ، قال : كنت صديقا لأبي شجاع بويه ، فدخلت إليه يوما فعذلته على كثرة حزنه ، وقلت له : أنت رجل يحتمل الحزن ، وهؤلاء المساكين أولادك يهلكهم الحزن ، ( وربما مات أحدهم ، فيجدد ذلك من الأحزان ما ينسيك المرأة ، وسليته بجهدي ، وأخذته ففرجته ، وأدخلته ومعه أولاده إلى منزلي ليأكلوا طعاما ، وشغلته عن حزنه .

فبينما هم كذلك اجتاز بنا رجل يقول عن نفسه : إنه منجم ، ومعزم ، ومعبر للمنامات ، ويكتب الرقى والطلسمات ، وغير ذلك ، فأحضره أبو شجاع ، وقال له : رأيت في منامي كأنني أبول ، فخرج من ذكري نار عظيمة ، استطالت وعلت حتى كادت تبلغ السماء ، ثم انفجرت فصارت ثلاث شعب ، وتولد من تلك الشعب عدة شعب ، فأضاءت الدنيا بتلك النيران ، ورأيت البلاد والعباد خاضعين لتلك النيران .

فقال المنجم : هذا منام عظيم ، لا أفسره إلا بخلعة ، وفرس ، ومركب ، فقال أبو شجاع : والله ، ما أملك إلا الثياب التي على جسدي ، فإن أخذتها بقيت عريانا ، قال [ ص: 7 ] المنجم : فعشرة دنانير ، قال : والله ، ما أملك دينارا فكيف عشرة ، فأعطاه شيئا ، فقال المنجم : اعلم أنه يكون لك ثلاثة أولاد ، يملكون الأرض ومن عليها ، ويعلو ذكرهم في الآفاق كما علت تلك النار ، ويولد لهم جماعة ملوك ما رأيت من تلك الشعب .

فقال أبو شجاع : أما تستحي تسخر منا ؟ أنا رجل فقير ، وأولادي هؤلاء فقراء مساكين ، كيف يصيرون ملوكا ؟

( فقال المنجم ) : أخبرني بوقت ميلادهم ، فأخبره ، فجعل يحسب ، ثم قبض على يد أبي الحسن علي فقبلها ، وقال : هذا والله الذي يملك البلاد ، ثم هذا من بعده ، وقبض على يد أخيه أبي علي الحسن ، فاغتاظ منه أبو شجاع ، وقال لأولاده : اصفعوا هذا الحكيم ، فقد أفرط في السخرية بنا ، فصفعوه ، وهو يستغيث ، ونحن نضحك منه ، ثم أمسكوا ، فقال لهم : اذكروا لي هذا إذا قصدتكم وأنتم ملوك ، فضحكنا منه ، وأعطاه أبو شجاع عشرة دراهم .

ثم خرج من بلاد الديلم جماعة ، تقدم ذكرهم ليملك البلاد منهم ماكان بن بالي ، وليلى بن النعمان ، وأسفار بن شيرويه ، ومرداويج بن زيار ، وخرج مع كل واحد منهم خلق كثير من الديلم ، وخرج أولاد أبي شجاع في جملة من خرج ، وكانوا من جملة قواد ماكان بن كالي ، فلما كان من أمر ماكان ما ذكرناه في الاتفاق ثم الاختلاف ، بعد قتل أسفار ، واستيلاء مرداويج على ما كان ( بيد ماكان ) من طبرستان وجرجان ، وعود ماكان مرة أخرى إلى جرجان والدامغان ، وعوده إلى نيسابور مهزوما .

فلما رأى أولاد بويه ضعفه وعجزه ، قال له عماد الدولة وركن الدولة : نحن في جماعة ، وقد صرنا ثقلا عليك وعيالا ، وأنت مضيق ، والأصلح لك أن نفارقك لنخفف [ ص: 8 ] عنك مؤونتنا ، فإذا صلح أمرنا عدنا إليك ، فأذن لهما ، فسارا إلى مرداويج ، واقتدى بهما جماعة من قواد ماكان وتبعوهما ، فلما صاروا إليه قبلهم أحسن قبول ، وخلع على ابني بويه ، وأكرمهما ، وقلد كل واحد من قواد ماكان الواصلين إليه ناحية من نواحي الجبل ، فأما علي بن بويه فإنه قلده كرج .

التالي السابق


الخدمات العلمية