الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            الشرط الرابع ، أن يكون الجارح معلما . ولا خلاف في اعتبار هذا الشرط ; لأن الله تعالى قال : { وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم } . وما تقدم من حديث أبي ثعلبة . ويعتبر في تعليمه ثلاثة شروط ; إذا أرسله استرسل ، وإذا زجره انزجر ، وإذا أمسك لم يأكل . ويتكرر هذا منه مرة بعد أخرى حتى يصير معلما في حكم العرف ، وأقل ذلك ثلاث . قاله القاضي . وهو قول أبي يوسف ، ومحمد .

                                                                                                                                            ولم يقدر أصحاب الشافعي عدد المرات ; لأن التقدير بالتوقيف ، ولا توقيف في هذا ، بل قدره بما يصير به في العرف معلما . وحكي عن أبي حنيفة ، أنه إذا تكرر مرتين ، صار معلما ; لأن التكرار يحصل بمرتين . وقال الشريف أبو جعفر ، وأبو الخطاب : يحصل ذلك بمرة ، ولا يعتبر التكرار ; لأنه تعلم صنعة ، فلا يعتبر فيه التكرار ، كسائر الصنائع .

                                                                                                                                            ولنا أن تركه للأكل يحتمل أن يكون لشبع ، ويحتمل أنه لتعلم ، فلا يتميز ذلك إلا بالتكرار ، وما اعتبر فيه التكرار [ ص: 295 ] اعتبر ثلاثا ، كالمسح في الاستجمار ، وعدد الإقرار والشهود في العدة ، والغسلات في الوضوء . ويفارق الصنائع ، فإنها لا يتمكن من فعلها إلا من تعلمها ، فإذا فعلها علم أنه قد تعلمها وعرفها ، وترك الأكل ممكن الوجود من المتعلم وغيره ، ويوجد من الصنفين جميعا ، فلا يتميز به أحدهما من الآخر حتى يتكرر .

                                                                                                                                            وحكي عن ربيعة ومالك ، أنه لا يعتبر ترك الأكل ; لما روى أبو ثعلبة الخشني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أرسلت كلبك المعلم ، وذكرت اسم الله عليه ، فكل ، وإن أكل } . ذكره الإمام أحمد ، ورواه أبو داود . ولنا ، أن العادة في المعلم ترك الأكل ، فاعتبر شرطا ، كالانزجار إذا زجر ، وحديث أبي ثعلبة معارض بما روي عن عدي بن حاتم ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه } . وهذا أولى بالتقديم لأنه ، متفق عليه .

                                                                                                                                            ولأنه متضمن للزيادة ، وهو ذكر الحكم معللا . ثم إن حديث أبي ثعلبة محمول على جارحة ثبت تعليمها ; لقوله : " إذا أرسلت كلبك المعلم " . ولا يثبت التعليم حتى يترك الأكل . إذا ثبت هذا ، فإن الانزجار بالزجر إنما يعتبر بإرساله على الصيد ، أو رؤيته ، أما بعد ذلك ، فإنه لا ينزجر بحال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية