الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ج- التأكيد بالأداة:

      - التأكيد بإن: رد العلماء على من ظن أن في كلام العرب حشوا عندما قالوا: "عبد الله قائم"، و"إن عبد الله قائم" و"إن عبد الله لقائم"، وأن الألفاظ متكررة والمعنى واحد. فرد هذا الوهم بأن قولهم: "عبد الله قائم"، إخبار عن قيامه، وقولهم: "إن عبد الله قائم" جواب عن إنكار منكر قيامه، فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعاني [1] ، ولو أن القارئ "استقرى [ ص: 112 ] وتصفح وتتبع مواقع "إن"، ثم ألطف النظر وأكثر التدبر، لعلم علم ضرورة أن ليس سواء دخولها وأن لا تدخل" [2] . فتأتي "إن" لتأكيد الكلام للسائل المستشرف أو الذي يتنـزل منزلة السائل المستشرف؛ ففي الحديث الذي روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لمن رآه مع امرأة هي أم المؤمنين صفية:

      ( يا فلان، هذه زوجتي فلانة. فقال: يا رسول الله، من كنت أظن به فلم أكن أظن بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) [3] .

      لقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقذف الشيطان في قلب الرائي شرا، فبين له بأسلوب التأكيد، لتأكيد المعرفة بالمرأة، وطرد الظن الذي قد يتبادر إلى الأذهان. وقد جاء الحديث جامعا موجزا مؤكدا بإن التي يناسب التأكيد بها مقاما يكون معتركا للتهم والظنون؛ فقد أكدت "إن" الجملة الثانية لبيان حرص النبي صلى الله عليه وسلم على سلامة قلب الرجل الذي رآه وخشيته من عبث الشيطان به. إنهما جملتان قصيرتان موجزتان أشد ما يكون الإيجاز، صدرتا بتأكيد للاستغناء عن طول الكلام [4] وعن الحاجة إلى التفصيل والإطناب. [ ص: 113 ]

      وعن أبي سعيد الخدري:

      ( إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) [5] .

      يقدم لنا الحديث الدنيا في صورة حلاوة واخضرار وبهجة، تثير شهوة الإنسان ورغبته فيها، وإنما جعل الإنسان مستخلفا فيها، فلا يصح أن يتصرف فيها إلا بما أمره الله به، وأمر باجتناب فتنتها وبحذر فتنة النساء، لما في ذلك من الانشغال عن الغاية من الاستخلاف. وقد ربط آخر الحديث بأوله برابط هو الفاء الفصيحة التي تدل على محذوف قبلها هو سبب لمـا بعدها، وقد سميت فصيحة لإفصاحها عما قبلها [6] ، والمعنى: إذا كان الله مستخلفكم فيها ومراقبكم في عملكم فاتقوه فيما أمركم.

      لقد صدر الحديث بتأكيد يفيد التنبيه ويفيد لفت الانتباه إلى حقيقة هذه الدنيا: ( إن الدنيا... ) ثم أخبر عن هذه الدنيا بصفات مستعارة، مكتفيا [ ص: 114 ] بذكر المشبه وحذف المشبه به، مكنيا عن المحذوف ببعض لوازمه، وهي الحلاوة والخضرة، فهو من قبيل الاستعارة المكنية. وأجاب عن الجملة الخبرية الأولى بجملة إنشائية أمرية "اتقوا"، تكرر فيها فعل الأمر مرتين، للمبالغة في تأكيد تحذير المخاطبين الدنيا والنساء. ثم ختم بجملة مؤكدة بإن "فإن أول فتنة بني إسرائيل..."، هي خبرية في لفظها، وإنشائية طلبية في حكمها والقصد منها، وهو ما يعرف بفائدة الخبر، والقصد تحذير المسلمين الفتنة ...

      التالي السابق


      الخدمات العلمية