الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      6- الملاءمة والائتلاف بين اللفظ واللفظ، وبين اللفظ والمعنى:

      ومن مظاهر الانسجام أيضا الملاءمة والائتلاف بين اللفظ واللفظ، وبين اللفظ والمعنى، لتتعادل في الوضع وتتناسب في النظم:

      - تكلم المفسرون في ائتلاف الألفاظ وملاءمة بعضها بعضا وترتيب اللفظة مع اللفظة التي تصلح أن تليها أو تسبقها فيحسن معها المعنى، فمن ذلك ما جاء في تفسير ابن عطية للآية 34 من سورة الطور: ( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) (الطور:34)، قال: "والمماثلة المطلوبة منهم هي في النظم والرصف والإيجاز [...] فإذا ترتبت اللفظة في القرآن علم -بالإحاطة- التي تصلح أن تليها ويحسن معها المعنى، وذلك متعذر في البشر" [1] . ثم ذكر في تفسير مقطع من الآية 38 من سورة يونس: ( فأتوا [ ص: 65 ] بسورة مثله ) أن التحدي في هذه الآية وقع بجهة الإعجاز التي في القرآن؛ وهي النظم والرصف والإيجاز والجزالة، كل ذلك في التعريف بالحقائق، فالبشر مقصر عن نظم القرآن إذ الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما؛ فإذا قدر الله اللفظة في القرآن علم بالإحاطة اللفظة التي هي أليق بها في جميع كلام العرب في المعـنى المقصود حتى كمل القـرآن على هذا النظام، الأولى فالأولى... "ونحن نجد العربي ينقح قصيدته، وهي الحوليات، يبدل فيها ويقدم ويقـدم ويؤخر، ثم يـدفع تلك القصيدة إلى أفصح منه فيزيد في التنقيح... وميزت فصحاء العرب هذا القدر من القرآن وأذعنت له لصحة فطرتها وخلوص سليقتها... والقدر المعجز من القرآن ما جمع الجهتين: اطراد النظم والسرد، وتحصيل المعاني وتركيب الكثير منها في اللفظ القليل" [2] .

      - فمن ائتلاف الألفاظ ملاءمة بعضها بعضا في الغرابة، نحو قوله تعالى: ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) (يوسف:85)، فقد أقسم بأغرب ألفاظ القسم وهي التاء، وبأبعد صيغ الأفعال الناسخة وهي ( تفتأ ) ؛ فإن ( تفتأ ) أغرب من "تزال" وأقل استعمالا منها، ثم جاء بأغرب ألفاظ الهلاك وهو "الحرض"، فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاور كل لفظة بالتي من جنسها في الغرابة وتقرن بها توخيا لحسن الجوار ورعاية لائتلاف المعاني بالألفاظ. [ ص: 66 ]

      - ومن ملاءمة الألفاظ لمعانيها التناسب بين اللفظ والمعنى في الفخامة أو الجزالة أو الغرابة أو التداول أو التوسط والاعتدال، ومن شواهده قوله تعالى: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) (هود:113)؛ فالركون إلى الظالم دون مشاركته في الظلم، يعاقب عليه بالمس بالنار فقط، دون الإحراق، وقوله: ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) (البقرة:286). فقد جاء بلفظ الاكتساب الذي يشعر بالكلفة والمبالغة في جانب السيئة لثقلها [3] ، ومن ذلك أن الفعل ( فكبكبوا ) في قوله تعالى: ( فكبكبوا فيها هم والغاوون ) (الشعراء:94) أبلغ من الفعل "كبوا" لأنها في الأول معنى الكب العنيف، و ( يصطرخون ) في قوله تعالى: ( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) (فاطر:37)، أبلغ من "يصرخون" لأنهم يصرخون صراخا منكرا خارجا عن الحد المعتاد، واصطبر أبلغ من "اصبر".

      التالي السابق


      الخدمات العلمية