الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      13- بلاغة التنويع والتلوين:

      من مظاهر الانسجام والتماسك في النص القرآني: بلاغة التنويع والتلوين:

      قال ابن جني: "كلام العرب كثير الانحرافات ولطيف المقاصد والجهات، وأعذب ما فيه تلفته وتثنيه" [1] . وقال ابن المنير: "طريقة العربية تلوين الكلام، ومجيء الفعلية تارة والاسمية أخرى من غير تكلف لما ذكروه" [2] . [ ص: 80 ]

      من مزايا جماليات النص القرآني أنه جمع بين الافتنان والتنويع في الموضوعـات، والافتنـان والتلـوين في الأسلوب، في الموضوع الواحد. فهو لا يستمر طويلا على نمط واحد من التعبير، كما أنه لا يستمر طويلا على هدف واحد من المعاني، بل يتنقل في السورة الواحدة من معنى إلى معنى ويتنقل في المعنى الواحد بين إنشاء وإخبار، وإظهار وإضمار، واسمية وفعلية، ومضي وحضور واستقبال وتكلم وغيبية وخطاب؛ إلى غير ذلك من طرق الأداء، على نحو من السرعة لا عهد لنا بمثله في كلام غيره قط. ومع هذه التحولات السريعة المستمرة التي هي مظنة الاختلاج والاضطراب، بل مظنة الكبوة والعثار، في داخل الموضـوع أو في الخروج منه، نراه لا يضطرب ولا يتعثر، بل يحتفظ بتلك الطبقة العليا من متانة النظم وجودة السبك حتى يصوغ من هذه الأفانين الكثيرة منظرا مؤتلفا [3] .

      والأصل في تلوين الخطاب الأدبي يكون بأسلوب الالتفات؛ وهو نقل الكلام من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر منها، بعد التعبير بالأول، وفائدته تطرية الكلام وتجديده، وصيانة السمع من الضجر والسآمة، ولكن كل موضع يختص بفوائد ولطائف بحسب اختلاف محله، ونصوص القرآن الكريم مليئة بأسلوب الالتفات والتنويع بين الضمائر الثلاثة، لأغراض تخص [ ص: 81 ] دلالات النص، ويشترط في أسلوب الالتفات -لضمان تماسك النص وعود آخره على أوله- أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه، ويشترط أيضا أن يكون في جملتين.

      وهناك نوع خاص من التلوين يعتمد على المغايرة والتنويع في الأسلوب؛ والميل بالنصوص والأقاويل إلى جهات شتى من المقاصد وأنحاء شتى من المآخذ، ويفتن الكلام فيها من مذاهب شتى من المعاني، وضروب شتى من المباني النظمية، ويكون للنفس فيه استراحة واستجداد نشاط بانتقالها من لون أسلوبي إلى آخر، ومن معنى إلى معنى آخر، وفي ذلك قال حازم القرطاجني؛ عن الشعراء: "لما وجدوا النفوس تسأم التمادي على حال واحدة، وتؤثر الانتقال من حال إلى حال، ووجدوها تستريح إلى استئناف الأمر بعد الأمر واستجداد الشيء بعد الشيء، ووجدوها تنفر من الشيء الذي لم يتناه في الكثرة إذا أخذ مأخـذا واحدا ساذجا ولم يتحيل فيما يستجد نشاط النفس لقبوله بتنويعه والافتنان في أنحاء الاعتماد به، وتسكن إلى الشيء وإن كان متناهيا في الكثرة إذا أخذ من شتى مآخذه التي من شأنها أن يخرج الكلام بها في معاريض مختلفة" [4] ، ففي ذلك الخروج بالكلام من نوع إلى آخر، سريان التلوين في النص، والوصول بالكلام إلى إيصال المعنى بأبلغ لفظ. [ ص: 82 ]

      والسؤال في هذا المظهر الترابطي للنص: كيف "يكون تنوع صور التلوين" [5] في الأسلوب القرآني طريقة لترابط النص وتماسكه؟

      والجواب أن أول شرط لتحقيق نصية النص حصول الترابط بين أجزائه وجمله، والترابط شبكة كبرى من العلاقات التي تشد أنواعا مختلفة من العناصر، ففي النص روابط تصل مجالات الدلالات المعجمية بعضها ببعض، وروابط منطقية تربط بين الجمل.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية