الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1071 [ 949 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي [أخبرنا سفيان] ، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " "أيما عبد كان بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة أو قيمة عدل ليست بوكس ولا شطط، ثم يغرم لهذا حصته". .

[ ص: 228 ]

التالي السابق


[ ص: 228 ] الشرح

حديث مالك عن نافع أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، وابن ماجه عن يحيى بن حكيم عن عثمان بن عمر، بروايتهم عن مالك، ورواه عن نافع كما رواه مالك: الليث [بن] سعد وإسماعيل بن أمية وأسامة بن زيد وموسى بن عقبة وابن أبي ذئب.

وحديث سالم عن أبيه رواه البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان.

ومن أعتق بعض عبده عتق كله، روي عن [قتادة] عن أبي المليح أن رجلا من قومه أعتق ثلث غلامه، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هو حر كله ليس لله شريك" .

وإن كان العبد مشتركا بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه نظر إن كان موسرا بقيمة نصيب الشريك قوم عليه نصيبه تكميلا للعتق فيه، وإن كان معسرا اقتصر العتق على نصيبه لحديث ابن عمر رضي الله عنه، ومتى يعتق نصيب الشريك إذا كان المعتق موسرا؟ أظهر أقوال رضي الله عنه: أنه يعتق في الحال، ويدل عليه ما روى أيوب عن نافع عن ابن [ ص: 229 ] عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا من عبد فكان له من المال ما يبلغ قيمة بقية العبد فقد عتق" ويروى "فهو عتيق" وفي الصحيحين من رواية ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شقصا له في مملوك فكان للذي يعتق منهما نصيبه مبلغ ثمنه فقد عتق كله" .

والقول الثاني: أنه يعتق بدفع القيمة إلى الشريك، ويدل عليه ما روي عن عمرو بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل كان له نصيب في عبد فأعتق نصيبه فعليه أن يكمل عتقه بقيمة عدل" .

وعن ليث عن طاوس عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شركا في مملوك له فقد ضمن عتقه، يقوم العبد ثم يعتق" .

والقول الثالث: أنه يبين بدفع القيمة حصول العتق من وقت إعتاقه نصيبه.

وقوله: "وإلا فقد عتق منه ما عتق" يدل على اقتصار العتق على نصيب المعتق إذا كان معسرا، وزيد في بعض الروايات: "ورق منه ما رق".

وما روي عن أيوب أنه لما روى الحديث عن نافع قال في آخره: "قال نافع: وإلا فقد عتق منه ما عتق"، ولا أدري أهو شيء قاله نافع، أو هو في الحديث؟ [ ص: 230 ] وروي عنه أنه قال: ربما قال نافع: "وإلا فقد عتق منه ما عتق" وربما لم يقله، وأكثر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه، فإن [شكا] وقع لأيوب في الكلمة، ولا يقدح ذلك في رواية من رواه في الحديث بلا شك، وقد رواه مالك وهو أحوط من أيوب عند علماء الحديث، وقد وافقه على رواية الكلمة: عبيد الله بن عمر وجرير بن حازم وغيرهما.

وقال أبو حنيفة: لا سراية ولا تقويم، ولكن إن كان الشريك المعتق موسرا فيتخير الشريك الآخر بين ثلاثة أمور: أن يعتق نصيب نفسه، وأن يستسعي العبد حتى يؤدي قيمة نصيبه، وعلى التقديرين يكون ولاء العبد بينهما، وأن يضمن المعتق قيمة نصيبه.

ثم المعتق يستسعي العبد لما غرم، فإذا أداه عتق وكان جميع الولاء له، وإن كان معسرا لم يضمنه الشريك ويخير بين الأمرين الأولين، واحتج للاستسعاء بما في "الصحيحين".

من رواية سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان له شرك في مملوك فعليه خلاصه في ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال استسعي العبد في الثمن رقبة غير مشقوق عليه" ومن رواية جرير بن حازم عن قتادة بالإسناد المذكور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شقصا له في مملوك فكان له من المال ما يبلغ قيمته أعتق من ماله، فإن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه.

[ ص: 231 ] وذكر في الحديث وجوه من الكلام منها:

أن شعبة بن الحجاج وهشاما الدستوائي رويا هذا الحديث عن قتادة ولم يذكرا فيه الاستسعاء وهما أحفظ، ورواه همام عن قتادة بإسناده عن أبي هريرة قال: أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فغرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمنه.

قال همام: فكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعى.

وقد ذكر أبو بكر ابن المنذر وغيره أن الاستسعاء من قول قتادة لا من متن الحديث ومنها يرجح حديث ابن عمر بقوة الرواية، روي عن محمد بن إسحاق الثقفي قال: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن أصح الأسانيد فقال: مالك عن نافع عن ابن عمر.

ومنها: الحمل على ما إذا رغب العبد فيه، وقد يشعر به قوله: "غير مشقوق عليه" فإن في إجباره على السعاية مع إبائه مشقة عظيمة، وقد يقال: الحديث يقتضي تخصيص الاستسعاء.

وقوله: "بأعلى القيمة" تقرأ بالعين والغين وهما متقاربان، وفي حديث الرقاب "أعلاها ثمنا" تروى بالعين والغين، وقد يستدل به بوجوب أقصى القيمة من يوم الإعتاق إلى يوم الموت على قولنا أن العين لا تحصل في الحال، ويشبه أن يريد بأعلى القيمة: القيمة التي هي عدل، ألا تراه قال: "بأعلى القيمة أو قيمة عدل ليست بوكس ولا شطط" أي: ليس فيها نقصان ولا زيادة.




الخدمات العلمية