الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1692 [ 954 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا أيوب بن سويد، أبنا الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن البراء بن عازب أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل من الأنصار فأفسدت فيه، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل .

التالي السابق


الشرح

أيوب بن سويد: هو الرملي أبو مسعود الحميري السيباني.

روى عن: يحيى بن أبي عمرو، والأوزاعي، يقال أنه [ ص: 235 ] غرق في البحر سنة ثلاث وتسعين .

وحديث العجماء صحيح، أورده البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن محمد بن رافع عن إسحاق بن عيسى، بروايتهما عن مالك، ورواه الشافعي في القديم عن ابن عيينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأورده مسلم عن يحيى بن يحيى وغيره عن سفيان.

وحديث ناقة البراء غير موصول من رواية مالك، وموصول من رواية أيوب بن سويد، كذلك رواه أبو داود عن محمود بن خالد عن الفريابي عن الأوزاعي، وكذلك رواه محمد بن مصعب عن الأوزاعي ورواه معاوية بن هشام ومؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن عبد الله بن عيسى عن الزهري، ووصلاه فقالا: عن حرام عن البراء أن ناقة للبراء .. ورواه إبراهيم بن طهمان عن محمد بن ميسرة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن البراء بن عازب فوصله أيضا.

والعجماء : البهيمة، سميت به لأنها لا تتكلم، والجبار: الهدر الذي لا قود فيه ولا دية.

وقوله: "والعجماء جرحها" وإن كان مطلقا، لكن الحديث الآخر خاص يقضي عليه ويقيده، فلو أفلتت الدابة أو انهدم جدار الإسطبل [ ص: 236 ] فجرحت من غير اختيار صاحبها فلا ضمان، وإن أرسلها صاحبها فما أتلفته بالنهار من زرع ونحوه فهو غير مضمون عليه، وما أتلفته بالليل يضمنه قضية للحديث، وأراد بالأموال: الزروع والبساتين.

وقوله: "فهو ضامن على أهلها" أي: مضمون، كقولهم: سر كاتم، أي: مكتوم، وعيشة راضية: أي: مرضية، والمعنى فيه أن العادة الغالبة أن أرباب المزارع والبساتين يحفظونها نهارا بالنواطير والحفظة، وأن المواشي ترسل نهارا ولا تترك منتشرة بالليل، ولو انعكست هذه العادة في بعض النواحي فالظاهر انعكاس الحكم، ولو كان للبستان باب يغلق أو كان الزرع في محوط له باب فتركه صاحبه مفتوحا فهو المضيع ولا ضمان على صاحب البهيمة على الأصح وإن أفسدت بالليل، ولو كانت المراعي متوسط المزارع فلا يعتاد إرسال البهائم فلا رقيب، ومن أرسلها وخلاها فهو مقصر ضامن لما أفسدته بالنهار أيضا، وحيث يجب الضمان على صاحب البهيمة فلو كان صاحب الزرع حاضرا وقدر على تنفير البهيمة وتهاون فهو المقصر ويسقط الضمان عن صاحب الدابة.

ولم يفرق أبو حنيفة بين ما تتلف البهائم بالليل وبين ما تتلفه بالنهار، ونفى بالضمان الحالتين، والحديث حجة عليه، ولو كان صاحب الدابة معها ضمن ما تتلفه من نفس ومال سواء فيه الراكب والسائق والقائد من غير فرق بين الليل والنهار; لأنها تحت يده وتصرفه وعليه حفظها .

[ ص: 237 ] الأصل




الخدمات العلمية