الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1633 الأصل

[ 972 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن [ ص: 261 ] ارتخص أحد فقال: أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -; فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس، ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله [عاقله] ، من قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين، إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل" . .

التالي السابق


الشرح

أبو شريح الكعبي: هو خويلد بن عمرو، ويقال له: الخزاعي أيضا، وذكر أن كعبا من خزاعة من صحابة الحجاز.

روى عنه: سعيد المقبري، ونافع بن جبير، وسفيان بن أبي العوجاء، وعطاء بن يزيد الليثي. توفي بالمدينة سنة ثمان وستين .

والحديث صحيح، أخرجه الشيخان عن قتيبة عن الليث عن سعيد المقبري، وليس في روايتهما ذكر قتيل خزاعة، وأخرجاه من رواية أبي هريرة وفيها ذكر قتيل خزاعة وزيادة وهي أنه قام أبو شاة رجل من اليمن فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اكتبوا لأبي شاة" يريد: هذه الخطبة، وأورد أبو داود في باب الديات من السنن ذكر قتيل خزاعة خاصة عن مسدد عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي ذئب.

[ ص: 262 ] وقوله: "فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما" ظاهره يقتضي تحريم سفك الدم وإن كان حلالا خارج الحرم، ومن العلماء من قال: من ارتكب خارج الحرم ما يوجب القتل ثم التجأ إلى الحرم جاز قتله فيه; لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم – "أن [الحرم] لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم، ولا فارا بحزبة" وبه قال الشافعي.

وقوله: "ولا يعضد بها شجرا" أي: يقطعه، والعضد: القطع، وظاهر اللفظ يقتضي التسوية بين ما ينبت بنفسه كالطرفاء والآراك، وبين ما يغرسه الآدميون كالأشجار المثمرة والخلاف والصنوبر، وهذا أظهر قول الشافعي رضي الله عنه، وله قول آخر: وهو أن التحريم يختص بقطع ما ينبت بنفسه، كما أن المحرم ممنوع عن قتل الصيد دون ذبح الغنم والحيوانات الإنسية.

وقوله: "فإن ارتخص أحد ... إلى آخره" يشير إلى أن الأصل في الأحكام التعميم إلى أن يعرف خلافه، وبين أن الإحلال مختص به.

وقوله: "إنما أحلت لي ساعة من النهار" أراد به ساعة الفتح، ثم قيل: أبيح له إراقة الدم فيها دون الصيد وقطع الشجر، واستدل به من ذهب إلى أن مكة فتحت عنوة لا صلحا، وقيل: أبيح له أن يدخلها من غير إحرام وقد دخلها - صلى الله عليه وسلم - وعليه عمامة سوداء.

وقوله: "ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل" في رواية أبي هريرة "أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه" كذلك رواه شيبان وحرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي [ ص: 263 ] سلمة عن أبي هريرة، وفي رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: لما فتحت مكة [قتلت] هذيل رجلا من بني ليث [بقتيل] في الجاهلية.

وقوله: "وأنا والله عاقله" يقال: عقلت فلانا إذا أعطيت ديته، وعقلت عن فلان إذا لزمته دية فأعطيتها عنه.

وفي الحديث دليل على أن ولي الدم بالخيار بين أن يقتص وبين أن يأخذ الدية، ويروى هذا عن ابن عباس وسعيد بن سعيد والشعبي وابن سيرين وعطاء، وبه قال الشافعي وأحمد.

وقال أبو حنيفة ومالك: ليس له إلا القصاص فإن تركه فلا دية له إلا برضا القاتل.

واحتج بقوله: "فأهله بين خيرتين" على أن القصاص يثبت لأهله جميعا الرجال والنساء، وبقوله: "إن أحبوا قتلوا" على أنه يعتبر اجتماعهم على القتل وليس لبعضهم الانفراد إذا كان الباقون غيبا أو أطفالا، واحتج بإثبات التخيير على أنه إذا مات القاتل كان للولي أخذ المال من تركته، وقال أبو حنيفة: إذا مات لم يبق للولي شيء.




الخدمات العلمية