الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( قلت والمستنبت ) من الشجر الحرمي بأن يأخذ غصنا من حرمية ويغرسه في محل آخر من الحرم أو غيره ولو ملكه ( كغيره ) المعلوم من كلامه أولا وهو ما نبت بنفسه في الحرمة والضمان ( على المذهب ) ففيه الإثم إن تعمد وبقرة أو شاة سواء كان له ثمر أم لا أما ما استنبت في الحرم مما أصله في الحل فلا شيء فيه ، وخرج بالشجر غيره فلا يحرم مستنبته كشعير وبر وسائر القطاني والخضراوات كالبقل والرجلة فيجوز قطعها وقلعها اتفاقا ( ويحل الإذخر ) بكسر الهمزة وبالمعجمة قطعا وقلعا [ ص: 193 ] ولو لنحو البيع كما اقتضاه كلامهم لاستثناء الشارع له في الخبر الصحيح ( وكذا ) قطع وقلع المؤذي ومنه غصن انتشر وآذى المارة ، و ( الشوك ) أي شجره ( كالعوسج وغيره ) ، وإن لم يكن نابتا في الطريق ( عند الجمهور ) ؛ لأنه مؤذ كصيد يصول وانتصر ، والمقابلة بصحة النهي عن قطع شوكه بخصوصه فلا يصح الجواب عنه بأنه مخصوص بالقياس على الفواسق الخمس على أن الفرق أن لتلك نوع اختيار بخلاف الشوك . وزعم أن الشوك منه مؤذ وغيره ، والخبر مخصوص بالمؤذي يرده قولهم لا فرق بين ما في الطريق وغيرها ، الصريح في أن المراد المؤذي بالفعل أو القوة .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في المتن : قلت والمستنبت إلخ ) قضية ذلك امتناع قطع جريد نخل الحرم حتى المملوكة خصوصا والجريد لا يخلف ثم رأيت شيخنا بهامش شرح المنهج قال اقتضى كلامه كغيره أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع جريدة من نخل الحرم ولو كانت ملكا له إلا أن يكون أصلها قد أخذ من الحل وغرس في الحرم ، وأما السعف فيجوز للحاجة ؛ لأنه ورقها . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : قطعا وقلعا [ ص: 193 ] ولو لنحو البيع إلخ ) في شرح البهجة وكأنه أفرده أي الإذخر بالذكر ليفيد حل قطعه وقلعه ولو بلا حاجة لغلبة الاحتياج إليه وكلامهم يأباه . ا هـ .

                                                                                                                              وفي فتاوى شيخنا الشهاب الرملي قد يقال يجوز بيعه لخبر العباس إلا الإذخر فيشمل من أخذه لينتفع بثمنه وقد قالوا : إن الإذخر مباح ويجاب بأنه إنما أبيح لحاجة في جهة خاصة وقد قالوا لا يجوز بيع شيء من شجر الحرم والبقيع . ا هـ . ومن جوابه يعلم اعتماده منع البيع وقوله : وقد قالوا إلخ وجه الدلالة منه من وجهين : الأول أنهم قد يطلقون الشجر على مطلق النابت . والثاني أن قولهم المذكور يفيد منع بيع أغصان الشجر اللطيفة مع جواز أخذها للحاجة فكذا الإذخر .

                                                                                                                              ( قوله : وزعم أن الشوك منه مؤذ وغيره إلخ ) هذا الزعم لشيخ الإسلام في شرح الروض وعبارته ، ورده أي الجواب المذكور السبكي بأن الشوك لا يتناول غيره فكيف يجيء التخصيص ، ويجاب بأن الشوك يتناول المؤذي وغيره والقصد تخصيصه بالمؤذي . ا هـ والظاهر أن معنى قوله والقصد إلخ أن المقصود تخصيص الشوك في قولهم يجوز قطع الشوك بالمؤذي فيكون النهي محمولا على غير المؤذي ، وهذا هو الصحيح في المعنى فقول الشارح والخبر مخصوص بالمؤذي فيه نظر بل الموافق للمعنى ، والخبر مخصوص بغير المؤذي أي مقصور عليه اللهم إلا أن يتعسف ويقال المراد أن الخبر مخصوص بالمؤذي أي بسبب إخراج المؤذي عنه أي مقصور على بعض أفراده ، وهو ما عدا المؤذي بسبب إخراج المؤذي عنه ( قوله : الصريح في أن المراد إلخ ) قد يمنع صراحته في ذلك ؛ لأن ما ليس بالطريق قد يؤذي بالفعل من يدخل محله لغرض ما وقد لا يؤذي كذلك فقولهم المذكور لا ينافي التخصيص بالمؤذي بالفعل ؛ لأن ما ليس [ ص: 194 ] بالطريق لم ينحصر في المؤذي بالقوة فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( والمستنبت ) بفتح الموحدة وهو ما استنبته الآدميون من الشجر نهاية ومغني قول المصنف ( والمستنبت كغيره ) قضيته امتناع قطع جريد نخل الحرم حتى المملوكة خصوصا والجريد لا يخلف ثم رأيت شيخنا بهامش شرح المنهج قال اقتضى كلامه كغيره أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع جريدة من نخل الحرم ولو كانت ملكا له إلا أن يكون أصلها قد أخذ من الحل وغرس في الحرم ، وأما السعف فيجوز للحاجة ؛ لأنه ورقها . انتهى ا هـ سم ويأتي عن ع ش جواز قطعها إذا أضرت بالنخل وعن البصري ما يوافقه .

                                                                                                                              ( قوله : من الشجر ) إلى قوله ولنحو البيع في النهاية إلا قوله : بأن يأخذ إلى المتن ، وإلى قول المتن وكذا إلخ في المغني إلا ما ذكر ( قوله : من الشجر الحرمي ) ولو غرس في الحل نواة شجرة حرمية ثبت لها حكم أصلها نهاية ومر في الشرح مثله وزاد الونائي وكذا كل ما تولد من حرمية ولو في الحل فله حكم الحرمية . ا هـ . قال ع ش قوله : م ر ثبت لها إلخ قياسه أنه لو غرس في الحرم نواة من شجرة حلية لم تثبت الحرمة لها وقد يشمله قول حج أما ما استنبت في الحرم إلخ . ا هـ . ( قوله : المعلوم ) أي الغير ( قوله : وهو ) أي غير المستنبت وكان الأولى أنه ( قوله : في الحرمة إلخ ) متعلق بكاف كغيره في المتن ( قوله : ففيه إلخ ) أي في قطع أو قلع المستنبت ( قوله : غيره ) أي من الزرع وكالزرع ما نبت بنفسه نهاية قال ع ش قوله : ما نبت بنفسه لعل المراد ما من شأنه أن يستنبته الناس كحنطة حملها سيل أو هواء . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كالبقل إلخ ) عبارة غيره من الشروح وكذا ما ينبت بنفسه إن كان مما يتغذى به كالنقلة والرجلة ؛ لأنه في معنى الزرع . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : والرجلة ) أي والخبيزة ع ش قول المتن ( قوله : ويحل الإذخر ) ظاهر إطلاق المصنف جواز تصرف الآخذ لذلك بجميع التصرفات من بيع أو غيره وهو ما عبر عنه الوالد رحمه الله تعالى في فتاويه بقوله قد يقال يجوز بيعه لخبر العباس إلا الإذخر فيشمل من أخذه لينتفع بثمنه وقد قالوا إن الإذخر مباح ثم عقبه بقوله ويجاب بأنه إنما أبيح لحاجة في جهة خاصة وقد قالوا لا يجوز بيع شيء من شجر الحرم والنقيع كذا في النهاية فيكون المنع هو المستقر عليه رأي والده رحمه الله تعالى وهو خلاف ما نقله في المغني عبارته وظاهر إطلاق المصنف أن آخذه يتصرف فيه بجميع التصرفات من بيع وغيره وبه أفتى شيخي . ا هـ . ثم رأيت ابن قاسم نقل كلام الفتاوى ثم قال ومن جوابه يعلم اعتماده منع البيع . انتهى ا هـ بصري . ( قوله : قطعا وقلعا ) ذكر المحب في شرح التنبيه أنه يجوز قطع ما يتغذى به من نبات الحرم غير الإذخر كالبقلة المسماة عند أهل [ ص: 193 ] مصر بالرجلة ونحوها ؛ لأنه في معنى الزرع انتهى طبقات السبكي . ا هـ بصري .

                                                                                                                              وتقدم في الشرح وعن النهاية وغيره ما يوافقه ( قوله : ولو لنحو البيع ) وفاقا للمغني وخلافا للنهاية ( قوله : وكذا قطع ) إلى المتن في النهاية ( قوله : قطع وقلع المؤذي ) يدخل في إطلاقه النابت بين الزرع مما يضر إبقاؤه بالزرع ؛ لأنه مؤذ له بإتلاف ماله أو تعييبه بصري ( قوله : وآذى المارة ) مفهومه أن الأغصان المضرة بالشجر نفسه ككثرة جريد النخل مثلا لا يجوز قطعه وينبغي الجواز في هذه الحالة لما فيه من الإصلاح ع ش أقول بل هي داخلة في إطلاق المؤذي نظير ما مر آنفا عن السيد البصري قول المتن ( كالعوسج ) جمع عوسجة نوع من الشوك نهاية ومغني ( قوله : وإن لم يكن إلخ ) أي المؤذي ( قوله : بأنه ) أي النهي ( مخصوص ) أي بغير المؤذي ( قوله : على أن الفرق إلخ ) خبر أن محذوف أي إن الفارق بين الشوك والفواسق الخمس ثابت . فقوله : إن لتلك إلخ علة لثبوت الفرق ويحتمل أنه هو الخبر ولا حذف .

                                                                                                                              ( قوله : وزعم أن الشوك إلخ ) أجاب به شيخ الإسلام في عامة كتبه وقول الشارح رحمه الله تعالى يرده قولهم إلخ محل تأمل إذ التعميم المفهوم مما ذكروه باعتبار المحل وهو لا ينافي التخصيص باعتبار النوع فحاصله أن المؤذي وهو ما من شأنه ذلك غالبا لا يحرم مطلقا ومقابله يحرم مطلقا ثم رأيت المحشي سم أشار إلى نحو ذلك بصري وقوله : أجاب به شيخ الإسلام أي ووافقه النهاية فقال وما اعترضه أي الجواب المذكور السبكي بأنه لا يتناول غيره فكيف يجيء التخصيص يرد بأنه متناول لما في الطرقات وغيره فيخص بغير ما في الطرقات ؛ لأنه لا يؤذي ا هـ قال الرشيدي قوله : يرد بأنه إلخ هذا الرد لا يلاقي اعتراض السبكي إذ هو مبني على أن الشوك كله مؤذ أي إما بالفعل أو بالقوة ومن ثم رد الشهاب حج هذا الرد بقولهم لا فرق إلخ . ا هـ . وبه يرد الحاصل المار عن البصري ( قوله : والخبر مخصوص بالمؤذي ) فيه نظر بل الموافق للمعنى والخبر مخصوص بغير المؤذي أي مقصور عليه اللهم إلا أن يتعسف ويقال المراد أن الخبر مخصوص بالمؤذي أي بسبب إخراج المؤذي عنه أي مقصور على بعض أفراده ، وهو ما عدا المؤذي بسبب إخراج المؤذي عنه سم ( قوله : الصريح في أن المراد إلخ ) قد يمنع صراحته في ذلك ؛ لأن ما ليس بالطريق قد يؤذي بالفعل من يدخل محله لغرض ما وقد لا يؤذي كذلك فقولهم المذكور لا ينافيه التخصيص بالمؤذي بالفعل ؛ لأن ما ليس بالطريق لم ينحصر في المؤذي بالقوة فليتأمل سم أقول في المنع المذكور نظر لا يخفى ولو سلم فلا محال أنه كالصريح في ذلك وهو كاف في الرد .




                                                                                                                              الخدمات العلمية