الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو بيع الشيء تقديرا كثوب وأرض ذرعا ) بإعجام الذال ( وحنطة كيلا ، أو وزنا ) ولبن عدا ( اشترط مع النقل ذرعه ) في الأول ( أو كيله ) في الثاني ( أو وزنه ) في الثالث ، أو عده في الرابع لورود النص في الكيل وقيس به البقية ، ويشترط وقوعها من البائع ، أو وكيله فلو أذن للمشتري أن يكتال من الصبرة عنه لم يجز لاتحاد القابض والمقبض كما ذكراه هنا لكنهما ذكرا قبل ما يخالفه ، ويمكن تأويله ومؤن نحو كيل توقف عليه القبض على موف ، وهو البائع في المبيع والمشتري في الثمن ، وكذا مؤنة إحضار مبيع أو ثمن غاب عن محلة العقد إليها بخلاف النقل المتوقف عليه القبض فيما بيع جزافا فإنه على المستوفي وكان الفرق بين هذا ونحو الكيل أن نحو الكيل الغرض الأعظم منه قطع العلقة بينهما بعد العقد فلزمت الموفي ؛ لأنه به ينقطع عنه الطلب ، ومن النقل إمضاء العقد لا غير فلزمت المستوفي ؛ لأن غرضه بإمضائه أظهر ومؤنة النقد على المستوفي ؛ لأن الغرض منه إظهار العيب لا غير فالمصلحة فيه للمستوفي أكثر ، ومحله في المعين ، وإلا فعلى الموفي ؛ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ، ولو أخطأ النقاد تبرعا أثم إن تعمد [ ص: 419 ] أو لم يضمن ، أو بأجرة لم يستحقها وضمن إن تعذر الرجوع على المشتري ؛ لأنها لما سميت له تعين عليه بذل الجهد حذرا من التغرير ووفاء بما يقابل الأجرة فكان التقصير هنا أظهر منه فيما إذا تبرع هذا ما بحثه الزركشي ، وهو متجه كما علم مما وجهته به خلافا لمن نازع فيه ، واعتمد ما أطلقه صاحب الكافي من عدم الرجوع لا يقال : النقد اجتهاد ، وهو يختلف كثيرا ، وما نيط بالاجتهاد لا تقصير فيه ؛ لأنا نمنع ذلك بأنه مع كونه اجتهاديا يقع التقصير فيه بتساهل فاعله وعدم إفراغه لوسعه فيه فعومل بتقصيره .

                                                                                                                              ولو استؤجر للنسخ فغلط أي بما لا يؤلف من أكثر نظرائه كما يفيده كلام الزركشي فلا أجرة له كالنقاد المقصر ويغرم أرش الورق لا يقال الناسخ معيب فضمن والنقاد غار ، وهو لا يضمن كما هو القاعدة ؛ لأنه إنما يكون غارا مع تبرعه لا مع أخذه الأجرة ، وإن لم يتعمده كما لو تعمده ، وإن لم يأخذها فإنه غار آثم ( مثاله بعتكها ) أي : الصبرة ( كل صاع بدرهم ، أو ) بعتكها بكذا ( على أنها عشرة آصع ) ونظر في الأخيرة بأنه جعل الكيل فيه وصفا كالكتابة في العبد فينبغي أن لا يتوقف قبضه عليه ، ويرد بأن كونه وصفا لا ينافي في اعتبار التقدير في قبضه ؛ لأنه بذلك الوصف يسمى مقدرا بخلاف كتابة العبد ثم إن اتفقا على كيال فذاك ، وإلا نصب الحاكم أمينا يتولاه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قول المصنف اشترط مع النقل ذرعه ، أو كيله ) قال في الروض : فإن قبض جزافا ، أو وزن ما اشتراه كيلا ، أو عكس ، أو أخبره المالك أي : بقدره وصدقه وقبض أي : أخذ فهو ضامن لا قابض ا هـ قال في شرحه : ولو تلف في يده ففي انفساخ العقد وجهان إلخ ا هـ وأفتى شيخنا الشهاب الرملي بالانفساخ وكتب بخطه على شرح الروض اعتماد عدم الانفساخ ، وهو مقدم كما قال م ر على الفتاوى لملازمته النظر فيه بخلاف الفتاوى ، وأيضا فهو الذي جرى عليه الشيخان في الربا فهو المعتمد ، وإن أطلقا الوجهين في باب الأصول والثمار ، وعليه فالضمان ضمان عقد ، وهل إتلاف البائع كالتلف فلا ينفسخ أولا فينفسخ ، ويفرق فيه نظر ومال م ر للثاني ، وهو قياس ما تقدم عن السبكي فيما إذا استقل بقبضه وأتلفه البائع في يده ( قوله : ومحله في المعين ) منع بأنه لا فرق كما أطلقناه م ر - [ ص: 419 ]

                                                                                                                              ( قوله : من عدم الرجوع ) أي : ولو بأجرة ، وعبارة شرح الروض : ولو أخطأ النقاد وتعذر الرجوع على المشتري فلا ضمان عليه كذا أطلقه صاحب الكافي إلخ وبإطلاق صاحب الكافي أفتى شيخنا الشهاب الرملي ( قوله : فغلط ) أي غلطا فاحشا خارجا عن العرف بحيث لا يفهم معه الكلام غالبا ، أو تعدى كما يأتي في الإجارة م ر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( اشترط مع النقل ذرعه إلخ ) فإن قبض ما بيع مقدرا بواحد مما ذكر جزافا ، ولو مع تصديق البائع في قدره الذي أخبره به ، أو مقدرا بغير المعيار المشروط كأن ذكر الكيل فقبضه بالوزن فهو ضامن لا قابض ولو تلف في يده قبل وقوع نحو اكتيال صحيح ففي انفساخ العقد وجهان صحح منهما المتولي المنع لتمام القبض وحصوله في يده حقيقة وإنما بقي معرفة مقداره ، وهو المعتمد نهاية وعباب ، وفي سم بعد نقله عن الروض وشرحه وعن الشهاب الرملي على شرح الروض مثله ، وهل إتلاف البائع كالتلف فلا ينفسخ أو لا ؟ فينفسخ ، ويفرق فيه نظر ، ومال م ر للثاني ، وهو قياس ما تقدم عن السبكي فيما إذا استقل بقبضه وأتلفه البائع في يده ا هـ قول المتن ( اشترط ) أي : في قبضه ( مع النقل ) أي : في المنقول ا هـ مغني ( قوله : في الأول ) أي : المذروع و ( قوله : في الثاني ) أي المكيل و ( قوله : في الثالث ) أي : الموزون و ( قوله : في الرابع ) أي : المعدود ( قوله : البقية ) أي : الذرع والوزن والعد عبارة ع ش أي : من كل ما بيع مقدرا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويشترط وقوعها ) إلى قوله : وكان الفرق في النهاية والمغني إلا قوله : فيما بيع جزافا .

                                                                                                                              ( قوله : أن يكتال إلخ ) أي : مثلا ( قوله : عنه ) أي : نيابة عن البائع ( قوله : ويمكن تأويله ) أي : كأن يقال : أذن له في تعيين من يكتال للمشتري عن البائع كما يؤخذ من قوله م ر الآتي ، ولو قال لغريمه : وكل من يقبض لي منك ، أو يقال : إن البائع أذن للمشتري في كيله ليعلما مقداره فقط ففعل ذلك ثم سلم جملته له البائع بعد علمهما بالمقدار فكيل المشتري ليس قبضا ، ولا إقباضا ، وإنما المقصود منه معرفة مقدار المبيع ا هـ ع ش ( قوله : إليها ) أي : إلى محلة العقد لا إلى خصوص موضع العقد ا هـ ع ش ( قوله : فيما بيع جزافا ) لا وجه للتقييد به فإن النقل معتبر في المقدر مع التقدير فليتأمل ، وعبارة العزيز قال في المطلب : وأجرة نقل المبيع المفتقر إليه القبض على المشتري على ما دل عليه كلام الشافعي وصرح به المتولي ، وفي المغني أي : والنهاية والإيعاب نحوه فلم يقيدا بما بيع جزافا ا هـ سيد عمر ، واعتذر ع ش عن الشارح بما نصه : ولعله إنما قيد بالجزاف ؛ لأنه الذي يحتاج إلى التحويل دائما ، وأما المقدر بنحو الكيل فقد لا يحتاج إلى نقله بعد التقدير لجواز أن يكيله البائع ويسلمه للمشتري فيتناوله بيده ويضعه في مكان لا يختص بالبائع ا هـ ولا يخفى بعده ( قوله : على المستوفي ) وهو المشتري في المبيع ، والبائع في الثمن ا هـ نهاية ( قوله : ومؤنة النقد على المستوفي ) وفاقا للنهاية والمغني ( قوله : ومحله في المعين ) منع بأنه لا فرق كما أطلقاه م ر ا هـ سم عبارة المغني والنهاية : ولا فرق في الثمن بين أن يكون معينا ، أو لا كما أطلقه الشيخان وإن قيده العمراني في كتاب الإجارة بما إذا كان الثمن معينا ا هـ .

                                                                                                                              - [ ص: 419 ] قوله : ولم يضمنه ) مقتضى سياقه ، وإن تعمد ، وهو مخالف لقوله الآتي كما لو تعمده ، وإن لم يأخذها ، ولما في ع ش مما نصه : والمجتهد غير مقصر مفهومه إذا قصر في الاجتهاد ، أو تعمد الإخبار بخلاف الواقع ضمن وصرح به حج ا هـ عبارة الإيعاب ، وخرج بخطأ تعمده فيضمن لتقصيره ا هـ ( قوله : من عدم الرجوع ) أي : ولو بأجرة ، وعبارة شرح الروض ، ولو أخطأ النقاد ، وتعذر الرجوع على المشتري فلا ضمان عليه كذا أطلقه صاحب الكافي إلخ ، وبإطلاق صاحب الكافي أفتى شيخنا الشهاب الرملي ا هـ سم ، وكذا اعتمد النهاية والمغني إطلاقه ( قوله : أي بما لا يؤلف ) عبارة النهاية أي : غلطا فاحشا خارجا عن العرف بحيث لا يفهم معه الكلام غالبا ، أو تعدى كما يأتي في الإجارة ا هـ قال الجمل أي : تعدى بالتحريف فلا يستحق الأجرة ، وإن لم يكن فاحشا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فلا أجرة له ) أي فيما غلط فيه فقط دون البقية ا هـ ع ش ( قوله : ؛ لأنه إنما يكون إلخ ) خلافا للنهاية والمغني عبارتهما لا يقال قياس غرم أرش الورق ثم ضمانه هنا ؛ لأنا نقول : هو ثم مقصر مع إحداث فعل فيه ، وهنا مجتهد ، والمجتهد غير مقصر مع انتفاء الفعل هنا ، والقول بأنه هنا مغرر فيضمن لذلك ووفاء بما يقابل الأجرة ليس بشيء ا هـ وقولهما : والقول إلخ يعنيان به قول الشارح المذكور تبعا للزركشي ( قوله : وإن لم يتعمده ) لعل الصواب ترك واو ، وإن إلخ حتى لا ينافي ما بعده ا هـ سيد عمر ، وهذا مبني على كون واو ، وإن لم يأخذها استئنافية ، وأما إذا كانت وصلية كما هو المتبادر الموافق لكلامه في الإيعاب فوجود واو ، وإن لم يتعمده هو الصواب ( قوله : ونظر ) إلى الفرع في النهاية ( قوله : وإلا ) أي : بأن يتنازعا فيمن يكيل ( نصب الحاكم إلخ ) ويقاس بالكيل غيره نهاية ومغني ( قوله : أمينا ) أي كيالا ، أو وزانا فلو أخطأ الكيال وما بعده فإنه يكون ضامنا لتقصيرهم بخلاف خطأ النقاد ، ولو بأجرة م ر أي : خلافا ل حج وعدم ضمانه ؛ لأنه مجتهد بخلاف الكيال ، وما بعده ، وأما القباني فيضمن ؛ لأنه غير مجتهد فهو مقصر كالكيال والوزان والعداد ، ولو اختلفا في التقصير وعدمه صدق النقاد بيمينه ، ولو أخطأ القباني في الوزن ضمن كما لو أخطأ في النقش الذي على القبان ، ولو أخطأ نقاش القبان كأن نقش مائة فبان أقل أو أكثر ضمن أي : النقاش ؛ لأنه ليس مجتهدا بخلاف النقاد كذا قاله الشيخ عبد البر الأجهوري على منهج ، وهو ضعيف ، واعتمد ع ش على م ر عدم ضمان النقاش ؛ لأنه غير مباشر ، ونصه : أقول في تضمين النقاش نظر ؛ لأن غايته أنه أحدث فيه فعلا ترتب عليه تغرير المشتري ، وبتقدير إخباره كاذبا فالحاصل منه مجرد تغرير ، وهو لا يقتضي الضمان ، وينبغي أن مثل خطأ الوزان والكيال في الضمان ما لو أخطأ النقاد من نوع إلى نوع آخر ، وكان المميز بينهما علامة ظاهرة كالريال والكلب والجيد والمقصوص وما لو كان لا يعرف النقد بالمرة وأخبر بخلاف الواقع ا هـ بحروفه ا هـ بجيرمي




                                                                                                                              الخدمات العلمية