الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وما غلب فضته وذهبه فضة وذهب ) - [ ص: 266 ] حكما ( فلا يصح بيع الخالص به ، ولا بيع بعضه ببعض إلا متساويا وزنا و ) كذا ( لا يصح الاستقراض بها إلا وزنا ) كما مر في بابه ( والغالب ) عليه ( الغش منهما في حكم عروض ) اعتبارا للغالب ( فصح بيعه بالخالص إن كان الخالص أكثر ) من المغشوش ليكون قدره بمثله والزائد بالغش كما مر ( وبجنسه متفاضلا ) وزنا وعددا بصرف الجنس لخلافه ( بشرط التقابض ) قبل الافتراق ( في المجلس ) في الصورتين [ ص: 267 ] لضرر التمييز ( وإن كان الخالص مثله ) أي مثل المغشوش ( أو أقل منه أو لا يدرى فلا ) يصح البيع للربا في الأولين ولاحتماله في الثالث ( وهو ) أي الغالب الغش ( لا يتعين بالتعيين إن راج ) لثمنيته حينئذ ( وإلا ) يرج ( تعين به ) كسلعة وإن قبله البعض فكزيوف فيتعلق العقد بجنسه زيفا إن علم البائع بحاله وإلا فبجنسه جيد .

[ ص: 266 ]

التالي السابق


[ ص: 266 ] مطلب مسائل في المقاصة

ومن مسائل المقاصة ما لو كان للمودع على صاحب الوديعة دين من جنسها لم تصر قصاصا به إلا إذا اتفقا عليه وكانت في يده أو رجع إلى أهله فأخذها والمغصوب كالوديعة ، وكذلك لا تقع المقاصة ما لم يتقاصا لو كان الدينان من جنسين أو متفاوتين في الوصف ، أو مؤجلين أو أحدهما حالا والآخر مؤجلا أو أحدها غلة والآخر صحيحا كما في الذخيرة . وإذا اختلف الجنس وتقاصا كما لو كان له عليه مائة درهم وللمديون مائة دينار عليه فإذا تقاصا تصير الدراهم قصاصا بمائة من قيمة الدنانير ويبقى لصاحب الدنانير على صاحب الدراهم ما بقي منها ظهيرية ودين النفقة للزوجة لا يقع قصاصا بدين للزوج عليها إلا بالتراضي ، بخلاف سائر الديون ; لأن دين النفقة أدنى ، فروق الكرابيسي ا هـ ملخصا ، قال : وتقدم شيء من مسائل المقاصة في باب أم الولد .

( قوله : حكما ) تمييز محول عن المبتدإ : أي حكم ما غلب فضته وذهبه حكم الفضة والذهب الخالصين ، وذلك لأن النقود لا تخلو عن قليل غش للانطباع وقد يكون خلقيا كما في الرديء فيعتبر القليل بالرديء فيكون كالمستهلك ط . ( قوله : الاستقراض بها ) الأوضح استقراضه ط وبه عبر في الملتقى . ( قوله : كما مر في بابه ) لم أره صرح بذلك في باب القرض . ( قوله : في حكم عروض ) الأولى تعبير الكنز بقوله ليس في حكم الدراهم والدنانير وذلك ; لأنه يجب فيها الاعتبار والتقابض ، ولا تتعين بالتعيين إن راجت . ( قوله : اعتبارا للغالب ) أي في الصورتين . ( قوله : إن كان الخالص أكثر من المغشوش ) أي أكثر من الخالص الذي خالطه الغش . والأوضح أن يقول أكثر مما في المغشوش . قال في الفتح : ولا يخفى أن هذا لا يتأتى في كل دراهم غالبة الغش ، بل إذا كانت الفضة المغلوبة بحيث لا تتخلص من النحاس إذا أريد ذلك . أما إذا كانت بحيث لا تتخلص لقلتها بل تحترق لا عبرة بها أصلا بل تكون كالمموهة لا تعتبر ولا تراعى فيها شرائط الصرف ، وإنما هو كاللون ، وقد كان في أوائل سبعمائة في فضة دمشق قريب من ذلك قال المصنف : أي صاحب الهداية ومشايخنا يعني مشايخ ما وراء النهر من بخارى وسمرقند لم يفتوا بجواز ذلك أي بيعها بجنسها متفاضلا في العدالى والغطارفة مع أن الغش فيها أكثر من الفضة ; لأنها أعز الأموال في ديارنا ، فلو أبيح التفاضل فيها ينفتح باب الربا الصريح فإن الناس حينئذ يعتادون في الأموال النفيسة فيتدرجون ذلك في النقود الخالصة فمنع حسما لمادة الفساد ا هـ . وفي البزازية والصواب أنه لا يفتى بالجواز في الغطارفة ; لأنها أعز الأموال وعليه صاحب الهداية والفضلي .

( قوله : كما مر ) أي في مسألة بيع الزيتون بالزيت ، بحر ، وهذه مرت في باب الربا ، ويحتمل كون التشبيه راجعا إلى ما في المتن من اشتراط كون الخالص أكثر ، ومراده بما مر مسألة حلية السيف كما أفاده في الهداية . ( قوله : وزنا وعددا ) أي على حسب حالها في الزواج .

قال في الهداية : ثم إن كانت تروج بالوزن فالتتابع والاستقراض فيها بالوزن ، وإن كانت تروج بالعد فبالعد ، وإن كانت تروج بهما فبكل واحد منهما ; لأن المعتبر هو المعتاد فيها إذا لم يكن نص ا هـ ، ويأتي قريبا . ( قوله : بصرف الجنس لخلافه ) أي بأن يصرف فضة كل واحد منهما إلى غش الآخر . ( قوله : في الصورتين ) [ ص: 267 ] أي صورة بيعه بالخالص وصورة بيعه بجنسه . ( قوله : لضرر التمييز ) قال في البحر : يشترط التقابض قبل الافتراق ; لأنه صرف في البعض لوجود الفضة أو الذهب من الجانبين ، ويشترط في الغش أيضا ; لأنه لا يتميز إلا بضرر ا هـ . فالعلة المذكورة لاشتراط قبض الغش ، فاشتراط قبضه لا لذاته بل لأنه لا يمكن فصله عن الخالص الذي فيه المشروط قبضه لذاته ، لا يقال : إن النحاس الذي هو الغش موزون أيضا فقد وجد فيه القدر فيشترط قبضه لذاته أيضا ; لأنا نقول وزن الدراهم غير وزن النحاس ونحوه فلم يجمعهما قدر وإلا لزم أن لا يجوز بيع القطن ونحوه مما يوزن إلا إذا كان ثمنه من الدراهم مقبوضا في المجلس ; لأن القدر يحرم النساء مع أنه يجوز السلم فيه كما مر في بابه . ولا يخفى أن الغش لو كان فضة في ذهب فالشرط قبض الكل لذاته ; لأنه صرف في الكل .

( قوله : وإن كان الخالص مثله إلخ ) محترز قوله إن كان الخالص أكثر . وحاصله أن الصور أربعة : إما أن يكون الخالص أكثر أو مثله أو أقل أو لا يدرى ، فيصح في الأولى فقط دون الثلاثة الباقية كما مر في بيع السيف مع حليته . ( قوله : أي مثل المغشوش ) أي الذي اختلط بالغش . ( قوله : فلا يصح البيع ) أي لا في الفضة ولا في النحاس أيضا إذا كان لا تتخلص الفضة إلا بضرر فتح . ( قوله : للربا في الأولين ) بزيادة الغش في الأول وزيادته مع بعض الذهب أو الفضة في الثاني ط . ( قوله : ولاحتماله في الثالث ) وللشبهة في الربا حكم الحقيقة ط . ( قوله : لا يتعين بالتعيين ) فلو قال اشتريت بهذه الدراهم فله أن يمسكها ويدفع غيرها مثله . ( قوله : لثمنيته حينئذ ) أي حين إذا كان رائجا ; لأنه بالاصطلاح صار أثمانا ، فما دام ذلك الاصطلاح موجودا لا تبطل الثمنية لقيام المقتضي بحر ، فلو هلك قبل القبض لا يبطل العقد فتح . ( قوله : تعين به ) أي بالتعيين ; لأن هذه الدراهم في الأصل سلعة وإنما صارت أثمانا بالاصطلاح ، فإذا تركوا المعاملة بها رجعت إلى أصلها بحر فيبطل العقد بهلاكها قبل التسليم ، هذا إذا كانا يعلمان بحالها ويعلم كل منهما أن الآخر يعلم ، فإن كانا لا يعلمان أو لا يعلم أحدهما أو يعلمان ولا يعلم كل أن الآخر يعلم فإن البيع يتعلق بالدراهم الرائجة في ذلك البلد لا بالمشار إليه من هذه الدراهم التي لا تروج فتح .

( قوله : وإن علم البائع بحاله ) لأنه رضي بذلك وأدرج نفسه في البعض الذين يقلبونها فتح . ( قوله : وإلا ) أي وإن كان لا يعلم بحال هذه الدراهم أو باعه بها على ظن أنها جياد تعلق حقه بالجياد لعدم الرضا بها بحر .




الخدمات العلمية