الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
7420 - لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله ، لرزقكم كما ترزق الطير: تغدو خماصا وتروح بطانا (حم ت هـ ك) عن عمر. (صح)

التالي السابق


(لو أنكم توكلون على الله حق توكله) بأن تعلموا يقينا أن لا فاعل إلا الله ، وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع من الله تعالى ، ثم تسعون في الطلب على الوجه الجميل ، والتوكل: إظهار العجز ، والاعتماد على المتوكل عليه (لرزقكم كما ترزق) بمثناة فوقية مضمومة أوله بضبط المصنف (الطير) زاد في رواية: في جو السماء (تغدو خماصا) أي ضامرة البطون من الجوع ، جمع خميص أي جائع (وتروح) أي ترجع آخر النهار (بطانا) أي ممتلئة البطون ، جمع بطين أي شبعان ، أي تغدو بكرة وهي جياع ، وتروح عشاء وهي ممتلئة الأجواف ، أرشد بها إلى ترك الأسباب الدنيوية والاشتغال بالأعمال الأخروية ثقة بالله وبكفايته ، فإن احتج من غلب عليه الشغف بالأسباب ، بأن طيران الطائر سبب في رزقه ، فجوابه أن الهواء لا حب فيه يلقط ، ولا جهة تقصد ، ألا ترى أنه ينزل في مواضع شتى لا شيء فيها ، فلا عقل له يدرك به ، فدل على أن طيرانه في الهواء ليس من باب طلب الرزق ، بل هو من باب حركة يد المرتعش ، لا حكم لها ، فيتردد في الهواء حتى يؤتى برزقه أو يؤتى به إلى رزقه ، هذا الذي يتعين حمل طيران الطائر عليه ، أعني أنه لا حكم له في الرزق ، ولا ينسب إليه ، لأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سماه متوكلا مع طيرانه ، ولذلك مثل به ، والمكلف العاقل أولى بالتوكل منه ، سيما من دخل إلى باب الاشتغال بأفضل الأعمال بعد الإيمان ، وهو طلب العلم ، كذا قرره ابن الحاج ، وهو أوجه من قول البعض: الحديث مسوق للتنبيه على أن الكسب ليس برازق ، بل الرازق هو الله تعالى ، لا للمنع عن الكسب فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وقال الحرالي: الطير: اسم جمع من معنى ما فيه الطيران ، وهو الخفة من ثقل ما ليس من شأنه أن يعلو في الهواء ، مثل بالطير لأن الأركان المجتمعة في الأبدان طوائر تطير إلى أوكارها ومراكزها ، فأخبر بأن الرزق في التوكل على الله لا بالحيل ولا العلاج قال الداراني: كل الأحوال لها وجه وقفا إلا التوكل ، فإنه وجه بلا قفا ، يعني: هو إقبال على الله من كل الوجوه وثقة به ، وفيه أن المؤمن ينبغي أن لا يقصد لرزقه جهة معينة ، إذ ليس للطائر جهة معينة ، ومراتب الناس فيه مختلفة ، وما أحسن ما قال شيخ الإسلام الصابوني:


توكل على الرحمن في كل حاجة. . . أردت فإن الله يقضي ويقدر

متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده.
. . يصبه وما للعبد ما يتخير

وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه.
. . وينجو بإذن الله من حيث يحذر



(حم ت هـ) في الزهد (ك) في الرقائق (عن عمر) بن الخطاب ، قال الترمذي: حسن صحيح ، وقال الحاكم: صحيح ، وأقره الذهبي ، ورواه النسائي عنه أيضا .



الخدمات العلمية