الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
6815 - كان إذا هاجت ريح استقبلها بوجهه وجثا على ركبتيه ومد يديه وقال: اللهم إني أسألك من خير هذه الريح وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا (طب) عن ابن عباس. (ح)

التالي السابق


(كان إذا هاجت ريح) وفي رواية الريح معرفا (استقبلها بوجهه وجثا على ركبتيه) أي قعد عليهما وعطف ساقيه إلى تحته ، وهو قعود المستوفز الخائف المحتاج إلى النهوض سريعا ، وهو قعود الصغير بين يدي الكبير ، وفيه نوع أدب ، كأنه لما هبت الريح وأراد أن يخاطب ربه بالدعاء قعد قعود المتواضع لربه الخائف من عذابه (ومد يديه) للدعاء (وقال اللهم إني أسألك من خير هذه الريح وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت إليه ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ،اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) لأن الريح من الهواء ، والهواء أحد العناصر الأربع التي بها قوام الحيوان والنبات حتى لو فرض عدم الهواء دقيقة لم يعش حيوان ولم ينبت نبات ، والريح اضطراب الهواء وتموجه في الجو فيصادف الأجسام فيحللها ، فيوصل إلى دواخلها من لطائفها ما يقوم لحاجته إليه ، فإذا كانت الريح واحدة جاءت من جهة واحدة وصدمت جسم الحيوان والنبات من جانب واحد ، فتؤثر فيه أثرا أكثر من حاجته فتضره ، ويتضرر الجانب المقابل لعكس مهبها بفوت حظه من الهواء ، فيكون داعيا إلى فساده ، بخلاف ما لو كانت رياحا تعم جوانب الجسم ، فيأخذ كل جانب حظه ، فيحدث الاعتدال ، وقال الزمخشري: العرب تقول: لا تلقح السحاب إلا من رياح ، فالمعنى: اجعلها لقاحا من السحاب ولا تجعلها عذابا

[تنبيه] استشكل ابن العربي خوفه أن يعذبوا وهو فيهم مع قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ثم أجاب بأن الآية نزلت بعد القصة ، واعترضه ابن حجر بأن آية الأنفال كانت في المشركين من أهل بدر ، ولفظ "كان" في الخبر يشعر بالمواظبة على ذلك ، ثم أجاب بأن في الآية احتمال التخصيص بالمذكورين ، أو بوقت دون وقت ، أو بأن مقام الخوف يقتضي عدم أمن المكر ، أو خشي على من ليس فيهم أن يقع بهم العذاب ، فالمؤمن شفقة عليه ، والكافر يود إسلامه ،وهو مبعوث رحمة للعالمين ، وفي الحديث الحث على الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه

(تنبيه آخر) قال ابن المنير: هذا الحديث مخصوص بغير الصبا من جميع أنواع الريح لقوله في الحديث الآتي: نصرت بالصبا ، ويحتمل إبقاء هذا الحديث على عمومه ، ويكون نصرها له متأخرا عن ذلك ، أو أن نصرها له بسبب إهلاك أعدائه ، فيخشى من هبوبها أن تهلك أحدا من عصاة المؤمنين ، وهو كان بهم رؤوفا رحيما ، وأيضا فالصبا يؤلف السحاب ويجمعه ، ثم المطر [ ص: 166 ] غالبا يقع حينئذ ، وقد جاء في خبر أنه كان إذا أمطرت سري عنه ، وذلك يقتضي أن يكون الصبا مما يقع التخوف عند هبوبها ، فيعكر ذلك على التخصيص المذكور

(طب) وكذا البيهقي في سننه (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وليس كما ادعى ، فقد قال الحافظ الهيثمي: فيه حسين بن قيس الملقب بخنش وهو متروك ، وبقية رجاله رجال الصحيح اه. ورواه ابن عدي في الكامل من هذا الوجه ، وأعله بحسين المذكور ، ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي ، ومن ضعفه هذا أن الإمامين لا يحسنان حديثه ، ثم رأيت الحافظ في الفتح عزاه لأبي يعلى وحده عن أنس رفعه وقال: إسناده صحيح اه. فكان ينبغي للمؤلف عدم إهماله .



الخدمات العلمية