الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
7448 - لو خفتم الله تعالى حق خيفته ، لعلمتم العلم الذي لا جهل معه ، ولو عرفتم الله تعالى حق معرفته ، لزالت لدعائكم الجبال (الحكيم) عن معاذ. (ض)

التالي السابق


(لو خفتم الله حق خيفته ، لعلمتم العلم الذي لا جهل معه) لأن من نظر إلى صفات الجلال تلاشى عنده الخوف من غيره بكل حال ، وأشرق نور اليقين على فؤاده ، فتجلت له العلوم ، وانكشف له السر المكتوم ومن يتق الله يجعل له مخرجا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا قال الشاذلي: نمت ليلة في سياحتي ، فأطافت بي السباع إلى الصبح ، فما وجدت أنسا كتلك الليلة ، فأصبحت ، فخطر لي أنه حصل لي من مقام الأنس بالله ، فهبطت واديا فيه طيور حجل ، فأحست بي فطارت ، فخفق قلبي رعبا ، فنوديت: يا من كان البارحة يأنس بالسباع ، ما لك وجلت من خفقان الحجل ؟ لكنك البارحة كنت بنا ، واليوم بنفسك اه. وفي تاريخ ابن عساكر عن الرقي: أنه قصد أبا الخير الأقطع مسلما ، فصلى المغرب ولم يقرإ الفاتحة مستويا ، فقال في نفسه: ضاع سفري ، فلما سلم خرج ، فقصده سبع ، فخرج الأقطع خلفه وصاح على الأسد: ألم أقل لك لا تتعرض لأضيافي ؟ فتنحى ، ثم قال: اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد ، واشتغلنا بتقوى القلب فخافنا الأسد ، ومن هذا القبيل: ما حكي أن سفينة مرت في البحر ، فأرسوا على جزيرة ، فوجدوا فيها أمة سوداء تصلي ولا تحسن قراءة الفاتحة على وجهها ، وتخلط فيها ، ولا تحسن الركوع والسجود ولا عدد الركعات ، فقالوا لها: ما هو كذا ، افعلي كذا وكذا ، ثم سارت السفينة عنها بعيدا ، فإذا هم بها تجري على وجه الماء وتقول: قفوا علموني فإني نسيت ، فبكوا وقالوا: ارجعي وافعلي ما كنت تفعلين (ولو عرفتم الله حق معرفته) قال الحكيم: حق المعرفة أن يعرفه بصفاته العليا وبأسمائه الحسنى معرفة يستنير قلبه بها ، فلو عرفتموه كذلك (لزالت لدعائكم) وفي رواية: بدعائكم بالموحدة (الجبال) لكنكم وإن عرفتموه لم تعرفوه حق معرفته ، فلم تنظروا إلى صنعه وحكمه وتدبيره ، فلم تكونوا من أهل هذه المرتبة ، ومن عرفه حق معرفته ماتت منه شهوة الدنيا والشح بها ، وحب الرئاسة والثناء والحمد من الناس ، وزالت الحجب عن قلبه ، فأبصر ربه بعين قلبه ولبه ، ولم يخدعه غرور ولا خيال ، فزالت لدعائه الجبال ، فعلماء الظاهر عرفوا الله ، لكن لم ينالوا حق [ ص: 320 ] المعرفة ، فلذلك عجزوا عن هذه المرتبة ، ومنعوا أن يكون لهم هذا ، بل ودونه ، كالمشي على الماء ، والطيران في الهواء ، وطي الأرض لأحد ، ولو عرفوه حق المعرفة لماتت منهم شهوات الدنيا ، وحب الرئاسة والجاه ، والشح على الدنيا ، والتنافس في أحوالها وطلب العز ، وحب الثناء والمحمدة ، ترى أحدهم مصغيا لما يقول الناس له وفيه ، وعينه شاخصة إلى ما ينظر الناس إليه منه ، وقد عميت عيناه عن النظر إلى صنع الله وتدبيره ، فإنه تعالى كل يوم هو في شأن

(الحكيم) الترمذي (عن معاذ بن جبل) .



الخدمات العلمية