الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - [ استدل ] الشافعي - رضي الله عنه - : ويتبع غير سبيل المؤمنين .

            وليس بقاطع ; لاحتمال في متابعته أو مناصرته ، أو الاقتداء به ، أو في الإيمان ، فيصير دورا ; لأن التمسك بالظاهر إنما يثبت بالإجماع ، بخلاف التمسك في القياس .

            [ ص: 537 ]

            التالي السابق


            [ ص: 537 ] ش - لما فرغ عن الدليلين القطعيين ، شرع في الأدلة التي ذكرها المتقدمون ، وزيفها .

            ومن جملتها ما تمسك به الشافعي ، رضي الله عنه . وهو قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين .

            جمع في الآية بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد . فيجب أن يكون اتباع غير سبيل المؤمنين حراما ، وإلا لما جمع بينه وبين الحرام الذي هو المشاقة في الوعيد ; لأنه لا يجوز الجمع بين مباح وحرام في الوعيد ، كما لا يجوز أن يقال : إن زنيت وشربت الماء ، عاقبتك . وإذا كان اتباع غير سبيل المؤمنين حراما ، كان اتباع سبيل المؤمنين واجبا . والحكم المجمع عليه هو سبيل المؤمنين ; لأن المراد من السبيل في الآية : ما اختاره الإنسان لنفسه من قول أو فعل .

            وزيفه المصنف بأن ما ذكره ليس بقاطع في وجوب متابعة الإجماع ; لأن اتباع سبيل المؤمنين عام يتناول اتباعهم في متابعة الرسول - عليه السلام - واتباعهم في مناصرته - عليه السلام - ودفع الأعداء عنه . أو اتباعهم في الاقتداء بالرسول - عليه السلام - ، أو اتباعهم بالإيمان به . ودلالة العام على فرد من أفراده على التعيين ليس بقطعي ; لجواز تخصيص العام ، وإخراج ذلك الفرد منه . وإذا لم يكن قطعيا ، وتمسك به في كون الإجماع حجة ، لزم الدور . لأن غاية ما في الباب أنه يدل [ ص: 538 ] على وجوب اتباع سبيل المؤمنين ظاهرا . والظاهر إنما يثبت كونه حجة بالإجماع . فلو أثبتنا كون الإجماع حجة بها ، لزم الدور .

            وهذا بخلاف التمسك بمثل هذا الظاهر في كون القياس حجة [ كالتمسك ] بقوله تعالى : فاعتبروا ياأولي الأبصار ] فإنه لا يوجب الدور ; لأن التمسك بالظاهر ما ثبت بالقياس ، فلا يلزم الدور .

            وفيما ذكره المصنف من لزوم الدور نظر ; لأنه يلزم الدور أن لو لم يكن غير الإجماع دليلا على أن الظاهر حجة وهو ممنوع ; لجواز أن يكون نص قاطع دالا على كون الظاهر حجة ، أو استدلال قطعي .

            كما يقال : الظاهر مظنون ، وكل مظنون يجب العمل به قطعا ; لأنه لو لم يعمل بواحد من النقيضين يلزم رفعهما ، وإن عمل بهما يلزم اجتماعهما ، وإن عمل بالطرف المرجوح ، يلزم خلاف صريح العقل . فتعين العمل بالمظنون .




            الخدمات العلمية