الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - وخالفت السمنية في إفادة المتواتر . وهو بهت ; فإنا نجد العلم ضرورة بالبلاد النائية والأمم الخالية ، والأنبياء والخلفاء بمجرد الأخبار .

            وما يوردونه من أنه كأكل طعام واحد ، وأن الجملة مركبة من الواحد . [ ص: 641 ] ويؤدي إلى تناقض المعلومين ، وتصديق اليهود والنصارى في " لا نبي بعدي " ، وبأنا نفرق بين الضروري وبينه ضرورة ، وبأن الضروري يستلزم الوفاق ، مردود .

            التالي السابق


            ش - أكثر العقلاء اتفقوا على أن المتواتر يفيد العلم . وخالفت السمنية - وهم قوم من الهند - في إفادة المتواتر العلم .

            وهو بهت ، أي باطل . فإن المتواتر يفيد العلم ، سواء كان إخبارا عن أمور موجودة في زماننا ، أو أمور ماضية ; لأنا نجد بالضرورة العلم بالبلاد النائية ، كمكة وبغداد ومصر ، والأمم الماضية والأنبياء والخلفاء . وما ذلك العلم إلا من الخبر المتواتر .

            [ ص: 642 ] والسمنية أوردوا وجوها في بيان المتواتر لا يفيد العلم . منها : أن إفادة الخبر العلم موقوفة على اتفاق جمع عظيم على الإخبار به ، وهو محال ، كاتفاقهم على أكل طعام واحد .

            ومنها : أن خبر كل واحد لا يفيد العلم ، فخبر الجملة أيضا لا يفيد ; لأن الجملة مركبة من الواحد ، وحكم الجملة ، حكم كل واحد .

            ومنها : أنه لو كان المتواتر يفيد العلم ، لأدى إلى تناقض المعلومين لأنه إذا تواتر خبر على وجود شيء في وقت ، وتواتر خبر آخر على عدمه في ذلك الوقت ، يلزم العلم بوجوده وعدمه في ذلك الوقت .

            ومنها : أنه لو أفاد المتواتر العلم ، لزم صدق اليهود والنصارى في أخبارهم عن نبيهم بأنه قال : " لا نبي بعدي " . والتالي باطل للدليل القاطع على كذب هذا الخبر .

            ومنها : أنا نفرق بالضرورة بين الضروري وبين المتواتر ; لأنا إذا عرضنا على عقولنا أن الواحد نصف الاثنين ، وعرضنا على عقولنا وجود جالينوس وجدنا الجزم بالأول أقوى وأكمل من الجزم بالثاني . فلو كان المتواتر مفيدا للعلم لم يوجد التفاوت بين الجزمين .

            [ ص: 643 ] ومنها : أنه لو كان ضروريا ، لم يختلف فيه ; لأن الضروري يستلزم الوفاق . أجاب المصنف بأن هذه الوجوه مردودة .

            فقوله : " وما يوردونه " مبتدأ وقوله " مردود " خبره . أما رده من حيث الإجمال فإنها تشكيك في الضروريات فلا يستحق الجواب .

            وأما من حيث التفصيل فلأنا لا نسلم في الأول امتناع اجتماع جمع عظيم على الأخبار .

            ولا نسلم في الثاني أنه إذا لم يكن كل واحد مفيدا للعلم ، لم يكن المجموع مفيدا له ، ولا نسلم أن حكم الجملة حكم كل واحد ; فإنه يصدق على كل واحد من آحاد العشرة أنه جزء العشرة ، ولا يصدق على العشرة أنه جزء العشرة .

            ولا نسلم في الثالث تناقض المعلومين . وذلك لأنه بتقدير تواتر أحد الخبرين يمتنع تواتر نقيضه .

            ولا نسلم في الرابع لزوم صدق اليهود والنصارى ، وإنما يلزم لو تواتر خبرهم ، وهو ممنوع ; لأن القاطع دل على كذب خبرهم . وخبر الجمع العظيم إنما يكون متواترا إذا لم يكذبه قاطع .

            [ ص: 644 ] ولا نسلم في الخامس أنه لو كان ضروريا لم يوجد التفاوت بينه وبين الضروريات ; لأن الضروريات قد تتفاوت في الجزم بها .

            ولئن سلم فلا يلزم منه المطلوب ; إذ حصول التفاوت يوجب أن لا يكون ضروريا ، ولا يوجب أن لا يكون مفيدا للعلم الذي هو المتنازع ههنا .

            ولا نسلم في السادس أن الضروري يستلزم الوفاق . وذلك لأن السوفسطائية ينكرون الضروريات .




            الخدمات العلمية