الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1925 134 - حدثنا قتيبة قال : حدثنا ليث ، عن ابن شهاب ، عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة " .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الطهارة عن قتيبة ، ومحمد بن رمح ، وأخرجه أبو داود في الصوم عن القعنبي ، وقتيبة وأخرجه الترمذي فيه ، والنسائي في الاعتكاف جميعا عن قتيبة ثلاثتهم عن الليث ، وأخرجه ابن ماجه في الصوم عن محمد بن رمح به ولم يذكر قصة الترجيل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عن عروة " أي : ابن الزبير بن العوام ، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة كذا في رواية الليث جمع بينهما ورواه يونس والأوزاعي، عن الزهري ، عن عروة وحده ، ورواه مالك عنه ، عن عروة ، عن عمرة وقال أبو داود وغيره : لم يتابع عليه ، وذكر البخاري أن عبيد الله بن [ ص: 145 ] عمر تابع مالكا وذكر الدارقطني أن أبا أويس رواه كذلك عن الزهري واتفقوا على أن الصواب قول الليث ، وأن الباقين اختصروا منه ذكر عمرة ، وأن ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد ، وقد رواه بعضهم عن مالك فوافق الليث ، أخرجه النسائي أيضا ، وقال ابن بطال : ولهذه العلة لم يدخل البخاري حديث مالك وإن كان فيه زيادة تفسير لكونه ترجم للحديث بتلك الزيادة إذ كان ذلك عنده معنى الحديث .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة " وفي رواية مسلم : " إلا لحاجة الإنسان " وفسرها الزهري بالبول والغائط .

                                                                                                                                                                                  وقد اتفقوا على استثنائهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات مثل عيادة المريض وشهود الجمعة والجنازة ، فرآه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وغيرهم ، وبه قال الثوري ، وابن المبارك ، وقال بعضهم : ليس له أن يفعل شيئا من هذا قال الترمذي : ورأوا أن للمعتكف إذا كان في مصر يجمع فيه أن لا يعتكف إلا في المسجد الجامع ؛ لأنهم كرهوا الخروج من معتكفه إلى الجمعة ولم يروا له أن يترك الجمعة ، وقال أحمد : لا يعود المريض ولا يتبع الجنازة ، وقال إسحاق : إن اشترط ذلك فله أن يتبع الجنازة ويعود المريض . واختلفوا في حضور مجالس العلم فذهب مالك إلى أن المعتكف لا يشتغل بحضور مجالس العلم ، ولا بغير ذلك من القرب مما لا يتعلق بالاعتكاف كما أن المصلي مشغول بالصلاة عن غيرها من القرب فكذلك المعتكف .

                                                                                                                                                                                  وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز ذلك بل إلى استحباب الاشتغال بالعلم وحضور مجالس العلم ؛ لأن ذلك من أفضل القرب ، ويجوز له الاشتغال بالصنائع اللائقة بالمسجد كالخياطة والنسخ ونحوهما ، والكلام المباح مع الناس وعن مالك أنه إذا اشتغل بحرفته في المسجد يبطل اعتكافه ، وحكى عن القديم للشافعي وخصصه بعضهم بالاعتكاف المنذور .

                                                                                                                                                                                  وفي البدائع يحرم خروجه من معتكفه ليلا أو نهارا إلا لحاجة الإنسان ، ولا يخرج لأكل ولا شرب ولا نوم ولا عيادة مريض ، ولا لصلاة جنازة ، فإن خرج فسد اعتكافه عامدا أو ناسيا بخلاف ما لو أخرج مكرها أو انهدم المسجد فخرج منه فدخل مسجدا آخر استحسانا ، وفي خزانة الأكمل : لو تحول من مسجد إلى مسجد بطل اعتكافه يعني من غير عذر .

                                                                                                                                                                                  وفي النتف : يجوز له أن يتحول إلى مسجد آخر في خمسة أشياء : أحدها : أن ينهدم مسجده .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أن يتفرق أهله فلا يجتمعوا فيه .

                                                                                                                                                                                  الثالث : أن يخرجه منه سلطان .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أن يأخذه ظالم .

                                                                                                                                                                                  الخامس : أن يخاف على نفسه وماله من المكابرين .

                                                                                                                                                                                  وعند الشافعي : خروجه من المسجد مبطل ، وفي الناسي : لا يبطل على الأصح ، وعند الشافعي : يخرج إلى بيته للأكل والشرب ، ومنعه ابن سريج وابن سلمة كقولنا ، وكذا له الخروج إلى بيته ليشرب الماء إذا لم يجده في المسجد ، وإن وجده فخرج فوجهان أصحهما المنع .

                                                                                                                                                                                  وقال النووي في شرح المهذب في الاعتكاف الواجب : لا يعود مريضا ، ولا يخرج لجنازة سواء تعينت عليه أم لا في الصحيح ، وفي التطوع يجوز لعيادة المريض وصلاة الجنائز ، قال صاحب الشامل : هذا يخالف السنة ، فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان لا يخرج من الاعتكاف لعيادة المريض وكان اعتكافه نفلا لا نذرا ، وإن تعين عليه أداء الشهادة وخرج له يبطل اعتكافه ، وفي الذخيرة للمالكية يؤديها في المسجد ولا يخرج ، وقالت الشافعية : المسألة على أربعة أحوال : الأول أن لا يتعين عليه التحمل ولا الأداء .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أن يتعين عليه التحمل دون الأداء فيبطل فيهما .

                                                                                                                                                                                  والثالث : أن يتعين عليه الأداء دون التحمل فيبطل على المذهب .

                                                                                                                                                                                  والرابع : أن يتعين عليه التحمل والأداء فالمذهب أنه لا يبطل .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية