الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1842 51 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة فصام أياما ثم أفطر .

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا غير مرة ، وعبيد الله بن عبد الله بالتصغير في الابن والتكبير في الأب ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن علي بن عبد الله ، وفي المغازي عن محمود ، عن عبد الرزاق ، وعن عبد الله بن يوسف ، عن الليث ، وأخرجه مسلم في الصوم ، عن يحيى بن يحيى وابن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعمرو الناقد ، أربعتهم عن سفيان به ، وعن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، وعن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عنه به ، وعن حرملة بن يحيى ، عن ابن وهب ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة ، عن سفيان به .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 46 ] ذكر معناه : قوله : " خرج إلى مكة " كان ذلك في غزوة الفتح خرج يوم الأربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان ، فلما كان بالصلصل جبل عند ذي الحليفة نادى مناديه : من أحب أن يفطر فليفطر ومن أحب أن يصوم فليصم ، فلما بلغ الكديد أفطر بعد صلاة العصر على راحلته ليراه الناس ، قوله : " لعشر مضين من رمضان " رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري ، ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك ، والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه . قوله : " حتى بلغ الكديد " وفي رواية عن ابن عباس ستأتي قريبا من وجه آخر " حتى بلغ عسفان " بدل " الكديد " ووقع عند مسلم " فلما بلغ كراع الغميم " ووقع في رواية النسائي من رواية الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان فصام حتى أتى قديدا ، ثم أتي بقدح من لبن فشربه فأفطر هو وأصحابه ، وقال القاضي عياض : اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر صلى الله عليه وسلم فيه ، والكل في قضية واحدة ، وكلها متقاربة ، والجميع من عمل عسفان . انتهى . قلت : الكديد بفتح الكاف وبدالين مهملتين أولاهما مكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة ، وهو موضع بينه وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها ، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين ، وهو أقرب إلى المدينة من عسفان ، وقال أبو عبيد : بينه وبين عسفان ستة أميال ، وعسفان على أربعة برد من مكة ، وبالكديد عين جارية بها نخل كثير ، وذكر ابن قرقول أن بين الكديد ومكة اثنان وأربعون ميلا ، وقال ابن الأثير : وعسفان قرية جامعة بين مكة والمدينة ، وكراع الغميم أيضا موضع بين مكة والمدينة ، والكراع جانب مستطيل من الحرة مشتبها بالكراع ، والغميم بفتح الغين المعجمة واد بالحجاز ، أما عسفان فبثمانية أميال يضاف إليها هذا الكراع ، قيل جبل أسود متصل به ، والكراع كل أنف سال من جبل أو حرة ، وقديد بضم القاف موضع قريب من مكة فكأنه في الأصل تصغير قد .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : فيه بيان صريح أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صام في السفر ، وفيه رد على من لم يجوز الصوم في السفر ، وفيه بيان إباحة الإفطار في السفر ، وفيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار ، وفيه رد لقول من زعم أن فطره بالكديد كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة ، وذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم ، وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر ، قال أبو عمر : اختلفوا في الذي يخرج في سفره ، وقد بيت الصوم فقال مالك : عليه القضاء ولا كفارة فيه ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وداود والطبري والأوزاعي، وللشافعي قول آخر أنه يكفر إن جامع .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية