الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1836 وقال لي يحيى بن صالح ، حدثنا معاوية بن سلام قال : حدثنا يحيى ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  عادة البخاري إذا أسند شيئا من الموقوفات يأتي بهذه الصيغة ، ويحيى بن صالح أبو زكريا الوحاظي الحمصي ، ومعاوية بن سلام بتشديد اللام مر في كتاب الكسوف ، ويحيى هو ابن أبي كثير ، وعمر بن الحكم بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين ابن ثوبان بالثاء المثلثة الحجازي أبو حفص المدني .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إذا قاء " أي الصائم. قوله : " وإنما يخرج " من الخروج . قوله : " ولا يولج " من الإيلاج أي لا يدخل ؛ المعنى أن الصوم لا ينقض إلا بشيء يدخل ولا ينقض بشيء يخرج ، وفي رواية الكشميهني أنه يخرج ولا يولج ؛ أي أن القيء يخرج ولا يدخل ، وهذا الحصر منقوض بالمني ، فإنه مما يخرج وهو موجب للقضاء والكفارة .

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث رواه الأربعة مرفوعا من حديث هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض " وقال الترمذي : حديث أبي هريرة حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس قال : وقد روي هذا الحديث من غير وجهه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يصح إسناده ، وقال البخاري : لم يصح وإنما يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، وعبد الله ضعيف ، ورواه الدارمي من طريق عيسى بن يونس ، ونقل عن عيسى أنه قال : زعم أهل البصرة أن هشاما وهم فيه ، وقال أبو داود : سمعت أحمد يقول : ليس من ذا شيء ، وقال الخطابي : يريد أنه غير محفوظ ، وقال ابن بطال : تفرد به عيسى وهو ثقة إلا أن أهل الحديث أنكروه عليه ووهم عندهم فيه ، وقال أبو علي الطوسي : هو حديث غريب ، والصحيح رواية أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر " وقال الترمذي : حديث أبي الدرداء أصح شيء في القيء والرعاف .

                                                                                                                                                                                  قلت : حديث أبي الدرداء رواه الأربعة ، ورواه الطحاوي قال : حدثنا ابن مرزوق قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا أبي ، عن حسين [ ص: 36 ] المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن يعيش بن الوليد ، عن أبيه ، عن معدان بن طلحة ، " عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال : فلقيت ثوبان في مسجد دمشق . قلت : إن أبا الدرداء أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ، فقال : صدق . أنا صببت له وضوءه " ، ثم قال الطحاوي : فذهب قوم إلى أن الصائم إذا قاء أفطر ، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث . قلت : أراد بالقوم عطاء والأوزاعي وأبا ثور، ثم قال الطحاوي : وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا إن استقاء أفطر ، وإن ذرعه القيء أي سبقه وغلب عليه لم يفطر وأراد بالآخرين القاسم بن محمد ، والحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ، والشعبي وعلقمة والثوري وأبا حنيفة وأصحابه ومالكا والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، ويروى ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم ، وقد قام الإجماع على أن من ذرعه القيء لا قضاء عليه ، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن الاستقاء مفطر ، ونقل العبدري عن أحمد أنه قال : من تقيأ فاحشا أفطر ، وقال الليث والثوري والأربعة بالقضاء ، وعليه الجمهور ، وعن ابن مسعود وابن عباس أنه لا يفطر ، ولكن في مصنف ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن عباس أنه إذا تقيأ أفطر ، ونقل ابن التين عن طاوس عدم القضاء قال : وبه قال ابن بكير ، وقال ابن حبيب : لا قضاء عليه في التطوع دون الفرض ، وقال الأوزاعي وأبو ثور : عليه القضاء والكفارة مثل كفارة الأكل عامدا في رمضان ، وهو قول عطاء ، واحتجوا بحديث أبي الدرداء المذكور الذي أخرجه ابن حبان والحاكم أيضا في صحيحيهما ، وأجاب أبو عمر أنه ليس بالقوي ، وقال الطحاوي : قد يجوز أن يكون قوله : " فأفطر " أي ضعف فأفطر ، ويجوز هذا في اللغة يعني يجوز هذا التقدير في اللغة لتضمن مثل ذلك لعلم السامع به كما في حديث فضالة : ولكني قئت فضعفت عن الصيام فأفطرت ، وليس فيه أن القيء كان مفطرا ، وقال الترمذي : معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائما متطوعا فقاء فضعف فأفطر لذلك ، هكذا روي في بعض الحديث مفسرا ، وأجاب البيهقي بأن هذا الحديث مختلف في إسناده ، فإن صح فمحمول على العامد ، وكأنه كان صلى الله تعالى عليه وسلم متطوعا بصومه .

                                                                                                                                                                                  وحديث فضالة رواه الطحاوي ، حدثنا ربيع المؤذن قال : حدثنا أسد قال : حدثنا ابن لهيعة قال : حدثنا يزيد بن أبي حبيب قال : حدثنا أبو مرزوق ، عن حنش ، عن فضالة بن عبيد قال : " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب فقال له : ألم تصبح صائما يا رسول الله ؟ قال : بلى ولكن قئت " وأخرجه الطبراني والبيهقي أيضا وأبو مرزوق اسمه حبيب بن الشهيد ، وقيل : زمعة بن سليم قال العجلي : مصري تابعي ثقة ، وروى له أبو داود وابن ماجه ، وحنش هو ابن عبد الله الصنعاني صنعاء دمشق ، روى له الجماعة غير البخاري ، فإن قلت : ابن لهيعة فيه مقال . قلت : الطحاوي أخرجه من أربع طرق : الأول : ما ذكرناه الذي فيه ابن لهيعة والبقية عن أبي بكرة ، عن روح وعن محمد بن خزيمة ، عن حجاج ، وعن حسين بن نصر ، عن يحيى بن حسان قالوا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق ، عن حنش ، عن فضالة إلى آخره ، وقال الترمذي : والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، وإذا استقاء عمدا فليقض ، وبه يقول الشافعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق ، وقال ابن المنذر : وهو قول كل من يحفظ عنه العلم قال : وبه أقول قال أصحابنا : ويستوي فيه ملء الفم وما دونه لإطلاق حديث أبي هريرة المرفوع ، فإن عاد وكان ملء الفم لا يفسد صومه عند أبي حنيفة ومحمد قال في المحيط وهو الصحيح ، وذكر في قاضيخان ، عن محمد وحده وعند أبي يوسف : يفسد وإن أعاده وكان أقل من ملء الفم يفسد عند محمد وزفر ، وهذا إذا تقيأ مرة أو طعاما أو ماء ، فإن تقيأ ملء فيه بلغما لا يفسد عندهما خلافا لأبي يوسف .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية