الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1993 51 - حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: قال عمرو: كان هاهنا رجل اسمه نواس، وكانت عنده إبل هيم، فذهب ابن عمر رضي الله عنهما، فاشترى تلك الإبل من شريك له، فجاء إليه شريكه، فقال: بعنا تلك الإبل، فقال: ممن بعتها؟ قال: من شيخ كذا وكذا، فقال: ويحك! ذاك والله ابن عمر، فجاءه، فقال: إن شريكي باعك إبلا هيما، ولم يعرفك، قال: فاستقها، قال: فلما ذهب يستاقها، فقال: دعها، رضينا بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا عدوى. سمع سفيان عمرا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه شراء الإبل الهيم، وهو شراء عبد الله بن عمر، وهذا الحديث من أفراد البخاري، وعلي هو ابن عبد الله المعروف بابن المديني، وفي بعض النسخ: حدثنا علي بن عبد الله. وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار المكي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كان هاهنا" أي بمكة، وفي رواية ابن أبي عمر، عن سفيان عند الإسماعيلي "من أهل مكة".

                                                                                                                                                                                  قوله: "نواس" بفتح النون وتشديد الواو وفي آخره نون، وقال ابن قرقول: هكذا هو عند الأصيلي والكافة، وعند القابسي بكسر النون وتخفيف الواو، وعند الكشميهني نواسي بالفتح والتشديد وياء النسب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فجاء إليه" أي إلى نواس.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال: من شيخ" ويروى: "فقال: من شيخ " بالفاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ويحك" كلمة" ويح" تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، بخلاف "ويل" فإنها للذي يستحقها، وذكر ابن سيده أنها كلمة تقال للرحمة، وكذلك ويحما! وقيل: ويح تقبيح، وفي الجامع هو مصدر لا فعل له، وفي الصحاح: لك أن تقول ويحا لزيد وويح لزيد، ولك أن تقول: ويحك وويح زيد!

                                                                                                                                                                                  قوله: "ذاك" أي الرجل الذي بعت الإبل الهيم له "والله ابن عمر".

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولم يعرفك" بفتح الياء، ويروى عن المستملي "ولم يعرفك" بضم الياء من التعريف، يعني لم يعلمك بأنها هيم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فاستقها" بصيغة الأمر قال الكرماني: من السوق.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا، بل هو أمر من الاستياق، والقائل به هو ابن عمر، وهذا يحتمل أن يكون قاله مجمعا على رد المبيع أو مختبرا هل الرجل مسقط لها أم لا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلما ذهب" أي شريك نواس.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يستاقها" جملة حالية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال: دعها" أي قال ابن عمر: دع الإبل، ولا تستقها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا عدوى" تفسير لقوله: "رضينا بقضاء رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم" يعني بحكمه بأنه لا عدوى، وهو اسم من الإعداء، يقال: أعداه الداء يعديه إعداء، وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلا، فيتقي مخالطته بإبل أخرى؛ حذار أن يتعدى ما به من الجرب إليها، فيصيبها ما أصابه، وقد أبطله الشارع بقوله: "لا عدوى" يعني ليس الأمر كذلك، وإنما الله عز وجل هو الذي يمرض وينزل الداء; ولهذا قال في الحديث: "فمن أعدى البعير الأول؟" أي من أين صار فيه الجرب، وقال الجوهري: العدوى ما يعدي من جرب أو غيره، وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره، والعدوى أيضا طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك، أي ينتقم منه. وقيل: معنى "لا عدوى" هنا رضيت بهذا البيع على ما فيه من العيب، ولا أعدي على البائع حاكما، واختار [ ص: 219 ] ابن التين هذا المعنى، وقال الداودي: معنى قوله: "لا عدوى" النهي عن الاعتداء والظلم.

                                                                                                                                                                                  (قلت): الحديث يكون موقوفا على اختيار ابن التين، ويكون من كلام ابن عمر، وعلى ما فسرنا أولا يكون في حكم المرفوع.

                                                                                                                                                                                  قوله: "سمع سفيان عمرا" هذا قول شيخ البخاري علي بن عبد الله، أي سمع سفيان بن عيينة عمرو بن دينار، والحديث رواه الحميدي في مسنده، عن سفيان قال: حدثنا عمرو به.

                                                                                                                                                                                  وفي الحديث جواز شراء المعيب ومنعه إذا كان البائع قد عرف عيبه ورضيه المشتري، وليس هذا من الغش، وأما ابن عمر فرضي بالعيب، والتزمه، فصحت الصفقة فيه.

                                                                                                                                                                                  وفيه تجنب ظلم الصالح لقوله: "ويحك! ذاك ابن عمر".




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية