الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن قلنا بالقول الثاني أن كتابة الثلاثة باطلة فسد حكم العوض فيها ، وبقي حكم الصفة ، وللسيد أن يرفعها ، ويسقط حكمها ، فإن فعل ذلك وأشهد به على نفسه ، ارتفع حكم الكتابة ، ولم يعتقوا بالأداء ، فإن قيل : أفليس لو علق عتقه بصفة فقال : إن دخلت الدار فأنت حر ، لم يكن له إبطال هذا الحكم وإسقاطه ، ومتى دخل العبد الدار عتق ، ولا يؤثر فيه رجوع السيد وإبطاله للصفة ، فهلا كان في الكتابة الفاسدة التي قد يغلب فيها حكم العتق بالصفة ممنوعا من إبطالها ، والرجوع فيها .

                                                                                                                                            قيل : الفصل بينهما أنه ألزم نفسه في العتق بالصفات وقوع العتق بمجرد الصفة ، فلم يكن له إبطال ما التزم ، وهو في الكتابة الفاسدة إنما ألزم نفسه العتق بالصفة على شرط العوض الذي كاتب عليه ، فإذا بطل ما شرط من العوض أسقط ما تعلق بالصفة من الالتزام فافترقا .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك لم يخل حاله في هذه الكتابة الفاسدة من أحد أمرين : إما أن يرجع فيها فيبطلها ، أو يقرها على حالها .

                                                                                                                                            فإن رجع فيها وأبطلها سقط حكم الصفة ، فإن أدى هؤلاء العبيد مال كتابتهم لم يعتقوا وكانوا على رقهم ، وما استأداه السيد منهم لا يلزمه رده عليهم ، لأنهم عبيده وهو مالك لأكسابهم .

                                                                                                                                            وإن لم يرجع السيد في كتابتهم ، ولا أبطل ما عليهم ، فإن أدوا جميعا ما عليهم من مال الكتابة ، عتقوا بوجود الصفة وكان له عليهم قيمتهم يوم أدوا فعتقوا لا يوم كوتبوا بخلاف تقويمهم ، لو صحت كتابتهم ، لأن يد السيد ارتفعت عنهم في الكتابة [ ص: 162 ] الفاسدة وقت الأداء ، وفي الكتابة الصحيحة وقت العقد ، فلذلك كان التقويم فيها إذا فسدت وقت الأداء ، وإذا صحت وقت العقد ، وإذا وجب على كل واحد منهم قدر قيمته نظر ، فإن كانت القيمة من غير جنس مال الكتابة الذي أداه دفع القيمة إلى سيده ، واسترجع منه ما أداه ، وإن كانت من جنسه تقاصا .

                                                                                                                                            فإن كانت القيمة أكثر رجع السيد بالباقي منها ، وإن كان الأداء أكثر رجع المكاتب بالفاضل عنها .

                                                                                                                                            فأما إذا أدى بعضهم مال كتابته الفاسدة ففي نفوذ عتقه بأدائه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو اختيار أبي حامد الإسفراييني أنه لا يعتق تغليبا لحكم العتق بالصفة كما لو قال : إذا أديتم إلي ألفا فأنتم أحرار ، فأدى بعضهم حصته منها لم يعتق .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب الشافعي أنه يعتق بأداء حصته وحده ، لأنه وإن تغلب في فساد الكتابة حكم العتق بالصفة ، فقد بقي من أحكام المعاوضة ما يخرجه عن حكم الصفة المجردة ، فإذا عتق وحده كان التراجع بالقيمة على ما وصفنا . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية