الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإذا أوصى بكتابته جازت في الثلث فإذا أداها عتق ، فإن أراد الذي أوصى له تأخيره والوارث تعجيزه فذلك الوارث تصير رقبته له " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا أوصى بما على المكاتب من مال كتابته صحت الوصية ، إذا كانت الكتابة صحيحة ، لأنه مالك لمال الكتابة ، فصار موصيا بما يملك فصحت وصيته ، وإن جاز أن تسقط بالعجز كما يجوز أن يوصي بمال غائب وإن جاز أن يتلفه وبدين وإن جاز أن يتوى وإذا كان كذلك فالوصية تشتمل على جميع ما يؤديه المكاتب في حياة الموصي وبعد وفاته ، لكنه لا يجوز أن يقبض ما أداه المكاتب في حياة الموصي إلا بعد وفاته ، لأن الوصايا لا تملك إلا بعد الموت ، ثم لا يخلو حال المكاتب من إحدى حالتين ، إما أن يؤدي أو يعجز ، فإن أدى أمضيت الوصية بجميع ما أداه إذا خرج من الثلث فإن عجز جميعه عن الثلث أمضى منه قدر ما احتمله الثلث ويعتق بالأداء إلى الموصى له ، لأنه أداه إلى مستحقه ، ويكون ولاؤه للموصي ينتقل عنه إلى عصبته ، وإن عجز عن الأداء يملك الموصى له ما أخذه قبل العجز ، ولا يخلو حال الموصى له والوارث من أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتفقا على إنظاره فيجوز ، وتكون الكتابة بحالها ، وما يؤديه المكاتب بعد الإنظار للموصى له كما يملك ما يؤديه قبل العجز .

                                                                                                                                            [ ص: 303 ] والحال الثانية : أن يتفقا على تعجيزه ، فيعود بالتعجيز رقيقا يملكه الوارث ، وتبطل الوصية فيما بقي من مال الكتابة ، وتصح فيما قبض منها .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يدعو الموصى له إلى إنظاره ليأخذ ما في كتابته ، ويدعو الوارث إلى تعجيزه ليصير وارثا لرقبته ، فالقول قول الوارث في التعجيز ، لأن الوصية معلقة بالأداء ، ومنتهية بالعجز ، فلما لم يكن للوارث إبطالها على الموصى له قبل العجز لم يكن للموصى له أن يبطل ملك الوارث بعد العجز .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يدعو الموصى له إلى تعجيزه ، ويدعو الوارث إلى إنظاره فليس لتعجيز الموصى له فائدة تعود عليه ، فلا يؤثر تعجيزه ، ويكون إمضاء الوارث أمضى ، لأن الحق في التعجيز له ، ويكون تعجيز الموصى له مبطلا للوصية فيما يؤديه بعد الإنظار ، ويصير الوارث أحق به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية