الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 79 ] باب في الولاء

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " أخبرنا محمد بن الحسن بن يعقوب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب . قال الماوردي : أما الولاء فهو مستحق بالعتق يملكه المعتق على من عتق عليه بعد رقه من عبد أو أمة بمباشرة أو سبب في واجب أو تطوع يجري مجرى النسب في التوارث به بعد النسب .

                                                                                                                                            والأصل في ثبوته بالسنة ما روى الشافعي رحمه الله عن العراقيين الحديث المقدم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب . ولم يرو الشافعي عن العراقيين غير هذا الحديث ، وقد طعن فيه أصحاب الحديث ، وقالوا : لم يرو عبد الله بن دينار عن ابن عمر هذا الحديث ، وإنما روى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الولاء وهبته . وهو الصحيح عن ابن عمر ، فغلط فيه العراقيون ، رووا عنه ما رواه يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب . فهو مرسل عن الحسن ، وهكذا رواه أحمد بن حنبل مرسلا ، وقد رواه الحسن تارة مسندا عن سمرة بن جندب ، وأحاديث الحسن عن سمرة مضعوفة ، فغلطوا في نقله من إسناد إلى إسناد .

                                                                                                                                            وقد روي هذا الحديث من طريقين آخرين :

                                                                                                                                            أحدهما : ما رواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يتصدق به .

                                                                                                                                            [ ص: 80 ] والثاني : ما رواه عبيد بن القاسم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب . وإرسال هذا الحديث أثبت من إسناده .

                                                                                                                                            ومن الدليل على ثبوت الولاء للمعتق ما اشتهر نقله في الأمة أن عائشة - رضوان الله عليها - أرادت شراء بريرة ، لتعتقها فاشترط مواليها الولاء لهم ، فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اشتري واشترطي لهم الولاء ففعلت " . فصعد المنبر فخطب ، وقال : " ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله . كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل كتاب الله أحق وشرطه أوثق . الولاء لمن أعتق " .

                                                                                                                                            وأجمع المسلمون على استحقاق الولاء للمعتق لإنعامه بالعتق ، كما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ( الأحزاب : 37 ) ، يعني زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام ، وأنعم الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بالعتق ، ولذلك سمي السيد المعتق : المولى المنعم ، وسمي العبد المعتق : المولى المنعم عليه ؛ لأن اسم المولى ينطلق على كل واحد من المعتق والمعتق ، فاحتاجا لاشتراكهما في اسم المولى إلى ما يتميزان به ، فقيل في تمييزهما مولى أعلى ومولى أسفل ، وقيل : مولى نعمة ، ومولى منعم عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية