الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 115 ] ( ومن ادعى أن اللقيط عبده لم يقبل منه ) ; لأنه حر ظاهرا إلا أن يقيم البينة أنه عبده ( فإن ادعى عبد أنه ابنه ثبت نسبه منه ) ; لأنه ينفعه ( وكان حرا ) ; لأن المملوك قد تلد له الحرة فلا تبطل الحرية الظاهرة بالشك ( والحر في دعوته اللقيط أولى من العبد ، والمسلم أولى من الذمي ) ترجيحا لما هو الأنظر في حقه .

التالي السابق


( قوله : ومن ادعى أن اللقيط عبده لم يقبل منه ) ; لأن الأصل الحرية لما قدمنا ( إلا أن يقيم بينة ) لا يقال : هذه البينة ليست على خصم فلا تقبل ; لأن الملتقط خصم ; لأنه أحق بثبوت يده عليه فلا تزول إلا ببينة هنا ، وإنما قلنا هنا كي لا ينقض بما إذا ادعى خارج نسبه فإن يده تزول بلا بينة على الأوجه . والفرق أن يده اعتبرت لمنفعة الولد ، وفي دعوى النسب منفعة تفوق المنفعة التي أوجبت اعتبار يد الملتقط فتزال لحصول ما يفوق المقصود من اعتبارها ، وهنا ليس دعوى العبدية كذلك بل هو مما يضره لتبديل صفة المالكية بالمملوكية فلا تزال إلا ببينة ( قوله : فإن ادعى عبد أنه ابنه ثبت نسبه منه ; لأنه ينفعه ، وكان حرا ; لأن المملوك قد تلد له الحرة ) فيكون الأب عبدا والولد حرا ; لأنه يتبع أمه في الحرية والرق فيقبل فيما ينفعه دون ما يضره على ما ذكرنا في دعوى الذمي فلم يكن من ضرورة ثبوت نسبه منه رقه ( فلا تبطل الحرية الظاهرة بالشك ) إذا لم تضف ولادته إلى امرأة أمة ، فإن أضاف إلى امرأته الأمة ففيه خلاف بين أبي يوسف ومحمد .

ذكر في الذخيرة أن الولد حر عند محمد ، وعند أبي يوسف عبد ، فمحمد يقول : في دعوى العبد نفع هو النسب وضرر هو الرق ، وأحدهما ينفصل عن الآخر فيعتبر فيما ينفعه دون ما يضره ، وأبو يوسف يقول لما صدقه الشرع في ثبوت النسب يصدقه فيما كان من ضروراته تبعا فيحكم برقه تبعا ، بخلاف الذمي فإنه ليس من ضرورته ثبوت كفره لجواز إسلام زوجته ، وعلى هذا لو قال الذمي إنه من زوجتي الذمية لا يصدق ( قوله : والحر في دعوته اللقيط أولى من العبد ) يعني إذا ادعياه وهما خارجان [ ص: 116 ] لما قدمنا أنه إذا كان الملتقط ذميا ادعاه مع مسلم خارج رجح عليه ، وكذا إذا ادعى الذمي أنه ابنه والمسلم أنه عبده فهو ابن الذمي ; لأنه يفوز بالنسب والحرية مع الحكم بإسلامه ، ولا كذلك في دعوى رقه إلا أن يقيم بينة رقه فيكون رقيقا ، كما أن الذمي إذا ادعاه ابنا له وأقام بينة من المسلمين يكون كافرا . ولو وجد طفل في يد عبد محجور ذكر أنه التقطه ولا بينة له على الالتقاط وكذبه مولاه . وقال هو عبدي فالقول قول المولى ; لأن العبد المحجور لا يد له على نفسه فما في يده كما في يد المولى ، وكذا لو أقر بعين في يده لآخر وكذبه المولى لا يصح إقراره كما لو كان في يد المولى ، ولو كان العبد مأذونا في التجارة فالقول قول العبد ; لأن للمأذون يدا على نفسه حتى صح إقراره بما في يده لغير السيد ، وإن كذبه السيد فيكون الولد الذي في يده حرا إلا أن يقيم سيده بينة أنه عبده .




الخدمات العلمية