الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 392 ] قال ( ومن اشترى عبدا قد سرق ولم يعلم به فقطع عند المشتري له أن يرده ويأخذ الثمن عند أبي حنيفة رحمه الله . وقالا : يرجع بما بين قيمته سارقا إلى غير سارق ) وعلى هذا الخلاف إذا قتل بسبب وجد في يد البائع [ ص: 393 ] والحاصل أنه بمنزلة الاستحقاق عنده وبمنزلة العيب عندهما . لهما أن الموجود في يد البائع سبب القطع والقتل وأنه لا ينافي المالية فنفذ العقد فيه لكنه متعيب فيرجع بنقصانه عند تعذر رده وصار كما إذا اشترى جارية حاملا فماتت في يده بالولادة فإنه يرجع بفضل ما بين قيمتها حاملا إلى غير حامل . وله أن سبب الوجوب في يد البائع والوجوب يفضي إلى الوجود فيكون الوجود مضافا إلى السبب السابق ، وصار كما إذا قتل المغصوب أو قطع بعد الرد بجناية وجدت في يد الغاصب [ ص: 394 ] وما ذكر من المسألة ممنوعة . .

[ ص: 392 ]

التالي السابق


[ ص: 392 ] قوله ومن اشترى عبدا قد سرق ) عند البائع ، وعلى ما ذكرنا مما وقع في المطارحة لا فرق بين أن يسرق عند البائع أو غيره ( ولم يعلم ) المشتري ( به ) أي بفعله السرقة لا وقت البيع ولا وقت القبض وستأتي فائدة هذا القيد ( فقطع عند المشتري فله أن يرده ) على بائعه ( ويأخذ الثمن ) كله منه ( عند أبي حنيفة ) هكذا في عامة شروح الجامع الصغير .

وفي روايات المبسوط يرجع بنصف الثمن ووفق بما ذكرنا في المبسوط حيث قال : وعند أبي حنيفة يرجع بنصف الثمن بأن القطع كان مستحقا بسبب كان عند البائع واليد من الآدمي نصفه فينتقض قبض المشتري في النصف فيثبت للمشتري الخيار ، إن شاء رجع بنصف الثمن وإن شاء رد ما بقي ورجع بجميع الثمن ، كما لو قطعت يده عند البائع ، ولما ثبت الخيار بين رده وإمساكه كان قول من قال يأخذ الثمن كله منصرفا إلى اختياره رد العبد المقطوع وقول من قال يرجع بنصف الثمن منصرفا إلى اختياره إمساكه ، وفي شرح الطحاوي للإسبيجابي : لو قطعت يده بعد القبض إلى آخر الصورة إن شاء رضي بالعبد الأقطع بنصف الثمن وإن شاء ترك ، وفي قول أبي يوسف ومحمد : لا يرده ، ولكنه يرجع بنقصان العيب بأن يقوم عبدا وجب عليه القطع وعبدا لم يجب عليه القطع ويرجع بإزاء النقصان من الثمن إلا إذا رضي البائع أن يرده فيرده ويرجع بجميع الثمن ، وحينئذ فلا يخفى ما في نقل المختصر في جواب المسألة كالمصنف أن له أن يرده ويرجع بالكل ، وما في نقل المؤتلف والمختلف فيما إذا قطعت يده عند المشتري بسرقة عند البائع أنه يرجع بنصف الثمن من الإيقاع في الإلباس ، وأقرب ما يظن أنهما روايتان عنه لولا ما ظهر من الجواب المفصل ابتداء كما ذكرنا .

وعبارة الهداية أخف فإنه قال : فله أن يرده ويأخذ الثمن فإنها لا تمنع أن له شيئا آخر ، لكن لا يجوز الاقتصار على هذا إلا إذا كان ماله من الآخر المسكوت عنه متفقا عليه فاقتصر على محل الخلاف ، لكن الفرض أن الخلاف ثابت في الآخر ، وهو إذا أمسكه فإنه يأخذ النصف عنده وعندهما لا بل يرجع بالنقصان ويمسكه ( وقوله وعلى هذا الخلاف إذا قتل بسبب وجد عند البائع ) [ ص: 393 ] من قتل عمدا أو ردة ونحو ذلك : يعني قتل عند المشتري رجع بكل الثمن حتما ، وعندهما يقوم حلال الدم وحرامه فيرجع بمثل نسبة التفاوت بين القيمتين من الثمن ، قال المصنف ( فالحاصل أنه ) أي القطع والقتل : أي ثبوته في العبد ( بمنزلة الاستحقاق ) ولو استحق كله رجع بالكل أو نصفه كان بالخيار بين أن يرد الباقي ويرجع بالكل وبين أن يرجع بنصف الثمن ويمسك الثمن فكذا هنا ( وعندهما ) ذلك ( بمنزلة العيب ) .

وفي المبسوط : فإن مات العبد من ذلك القطع قبل أن يرده لم يرجع إلا بنصف الثمن ; لأن النفس ما كانت مستحقة في يد البائع لينتقض قبض المشتري في النصف ( لهما أن الموجود عند البائع سبب القتل والقطع ) وثبوت سبب ذلك لا ينافي مالية العبد ولذا صح بيعه وعتقه ، ولو مات كان الثمن مقررا على المشتري وليس لولي القصاص حق في ماليته ، ولذا لو كان ولي القصاص يأبى شراء المشتري إياه صح شراؤه ، ولو كان له حق في ماليته لم يصح ، كما لو أبى المرتهن بيع عبد الرهن لم يصح لتعلق حق المرتهن بالمالية .

فعرف أن استحقاق العقوبة متعلق بآدميته لا بماليته ، والاستحقاق باعتبار المالية بالقتل وهو فعل أنشأه المستوفي باختياره في النفس بعدما دخل في ضمان المشتري ، وبه لا ينتقض قبض المشتري ; لأنه يتعلق بالمال المبيع وينتقض بأخذ المستحق له ; لأنه فيه من حيث هو مال فكان استيفاء العقوبة عيبا حادثا في يده فمنع الرد فيرجع بالنقصان ( وصار كما إذا اشترى حاملا ) لا يعلم بحملها وقت الشراء ولا وقت القبض ( فماتت ) عنده ( بالولادة فإنه يرجع بفضل ما بين قيمتها حاملا وغير حامل ) ولفظة إلى في قوله إلى غير حامل ليس لها موقع ( وله أن سبب وجوب القطع والقتل ) وجد ( في يد البائع والوجوب يفضي إلى الوجود فيكون الوجود مضافا إلى سبب ) القطع والقتل وهو سرقته الكائنة في يد البائع وقتله فصار موته مضافا إليه وقطعه وصار كأنه قطع أو قتل عند البائع الذي عنده السبب وصار كالعبد المغصوب إذا رده الغاصب على مالكه بعدما جنى عند الغاصب فقتل عند المالك بها أو قطع فإنه يرجع على الغاصب بتمام قيمته أو نصفها ، كما لو قتل عند الغاصب بجامع استناد الوجود إلى سبب الوجوب الكائن عند الأول

وإذا كان كذلك فينتقض قبضه كما في الاستحقاق وصار سبب السبب بمنزلة علة العلة لفوات المالية فكان المستحق به كأنه المالية ، إلا أنه لا يظهر أثر ذلك إلا بحقيقته فعل الاستيفاء ، وقبله لا يتم في حق ذلك فتبقى المالية فيصح البيع ونحوه ، فأما إذا قتل فقد تم حينئذ الاستحقاق .

[ ص: 394 ] وبطلت المالية فظهر أثره في نقض القبض فيرجع كما ذكرنا ( وما ذكر من المسألة ) موت الحامل ( ممنوعة ) على قول أبي حنيفة ، بل يرجع على قوله بكل الثمن قاله القاضيان أبو زيد وفخر الدين قاضي خان رحمهما الله تعالى وإن لم يذكر الخلاف في كتاب البيوع من الأصل استدلالا بما ذكر في الجامع الصغير في الأمة المغصوبة إذا حبلت عند الغاصب ثم ردت فولدت في يد المالك وماتت له أن يضمن الغاصب جميع قيمتها فكذلك هنا عنده واقتصر المصنف عليه .

وإن سلمنا فنقول : الموجود في يد البائع العلوق ، وإنما يوجب انفصال الولد لا الهلاك ولا يفضي إليه غالبا بل الغالب السلامة فليس هنا وجوب يفضي إلى الوجود فهو نظير موت الزاني من الجلد ، بخلاف مسألة الغصب ; لأن الرد لم يصح ; لأن شرط صحته أن يردها كما أخذها ولم يوجد فصار كما لو هلكت في يد الغاصب ، وهنا الحبل لا يمنع من التسليم إلى المشتري ، ثم إن تلف بعد ذلك بسبب كان الهلاك به مستحقا عند البائع فينتقض قبض المشتري فيه ، وإن لم يكن مستحقا لا ينتقض ، ونوقض بمسائل : الأولى إذا اشترى جارية محمومة فلم يردها حتى ماتت عنده بالحمى لا يضاف إلى السبب السابق حتى لا يرجع بكل الثمن بل بالنقصان مع أن موتها بسبب الحمى التي كانت عند البائع ، وثانيها إذا قطع البائع أو غيره يد العبد ثم باعه ولم يعلم به المشتري فمات العبد منه عند المشتري يرجع بالنقصان لا بالثمن .

وثالثها ما إذا زوج أمته البكر ثم باعها وقبضها المشتري ولم يعلم بالنكاح ثم وطئها الزوج لا يرجع بنقصان البكارة وإن كان زوال البكارة بسبب كان عند البائع ، ورابعها لو زنى العبد عند البائع فجلد في يد المشتري فمات منه لا يرجع على البائع بالثمن وإن كان موته بسبب كان عند البائع .

وخامسها لو سرق عند البائع فقطعت يده عند المشتري فسرى القطع فمات يرجع بنصف الثمن لا بكله وإن كان موته بسبب كان عند البائع ، أجيب بأن الجارية لا تموت بمجرد الحمى بل بزيادة الألم وذلك بسبب آخر عند المشتري لا في يد البائع فليس مما نحن فيه ، وأما الثانية ; فلأن البيع لما ورد على قطع البائع أو الأجنبي قطع سراية القطع ; لأن السراية حق البائع فتنقطع ببيع من له السراية ، وفيما نحن فيه السراية لغير من كان البيع منه فيمتنع انقطاع السراية بالبيع ، وأما الثالثة فإن البكارة لا تستحق بالبيع ، حتى لو وجدها ثيبا لا يتمكن من الرد إذا لم يكن شرط البكارة فعدمها من باب عدم وصف مرغوب فيه لا من باب وجود العيب ، وعن الرابعة بأن المستحق هو الضرب المؤلم واستيفاء ذلك لا ينافي المالية في المحل ، وموته بذلك الضرب إنما هو لعارض عرض في يد المشتري وهو خرق الجلاد أو ضعف المجلود فلم تكن تلك الزيادة مستوفاة حدا مستحقا ، وأما الخامسة فقد تقدم جوابها من المبسوط .




الخدمات العلمية