الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 276 ] ولو اشترى عدلا على أنه عشرة أثواب فإذا هو تسعة أو أحد عشر فسد البيع لجهالة المبيع أو الثمن ( ولو بين لكل ثوب ثمنا جاز في فصل النقصان بقدره وله الخيار ، ولم يجز في الزيادة ) لجهالة العشرة المبيعة . [ ص: 277 ] وقيل عند أبي حنيفة لا يجوز في فصل النقصان أيضا وليس بصحيح ، بخلاف ما إذا اشترى ثوبين على أنهما هرويان فإذا أحدهما مروي حيث لا يجوز فيهما ، وإن بين ثمن كل واحد منهما ; لأنه جعل القبول في المروي شرطا لجواز العقد في الهروي ، وهو شرط فاسد ولا قبول يشترط في المعدوم فافترقا .

التالي السابق


( قوله ومن باع عدلا ) صورتها أن يقول بعتك ما في هذا العدل على أنه عشرة أثواب بمائة درهم مثلا ، ولم يفصل لكل ثوب ثمنا بل قال المجموع بالمجموع ( فإذا هو تسعة أو أحد عشر فسد البيع لجهالة المبيع ) في صورة الزيادة لما قررناه من قريب في الفرق بين الثوب والذراع الذي صار أصلا من وجه ( والثمن ) في صورة النقصان ; لأن الثمن لا ينقسم أجزاؤه على حسب أجزاء المبيع القيمي والثياب منه فلم يعلم للثوب الذاهب حصة معلومة من الثمن المسمى لينقص ذلك القدر منه فكان الناقص من الثمن قدرا مجهولا فيصير الثمن مجهولا ( ولو ) كان ( فصل لكل ثوب ثمنا ) بأن قال كل ثوب بعشرة ( جاز ) البيع ( في فصل النقصان بقدره ) أي بما سوى قدر الناقص لعدم الجهالة لكن مع ثبوت الخيار للمشتري لتفرق الصفقة عليه ( ولم يجز في الزيادة ) ; لأن جهالة المبيع لا ترتفع فيه لوقوع المنازعة في تعيين العشرة المبيعة من الأحد عشر [ ص: 277 ] وقيل عند أبي حنيفة لا يجوز ) البيع ( في فصل النقصان أيضا ) قال في الذخيرة : وأكثر مشايخنا على أن ما ذكر في الكتاب من أن البيع جائز في الثياب الموجودة قولهما .

وأما على قول أبي حنيفة فالعقد فاسد في الكل ; لأنه فسد في البعض بمفسد مقارن وهو العدم ، والأصل عند أبي حنيفة أن العقد متى فسد في البعض بفساد مقارن يفسد في الباقي ، وقد ذكر محمد مسألة في الجامع تدل على هذا وهي رجل ( اشترى ثوبين على أنهما هرويان ) كل ثوب بعشرة ( فإذا أحدهما مروي ) بسكون الراء نسبة إلى قرية من قرى الكوفة ، أما النسبة إلى مرو المعروفة بخراسان فقد التزموا فيها زيادة الزاي فيقال مروزي وكأنه للفرق بين القريتين ، قال : فسد البيع في الثوبين جميعا عند أبي حنيفة ، وعندهما يجوز في الهروي ، والفائت في مسألة الجامع الصفة لا أصل الثوب وقد فسد في الكل بفواته ففساد في الكل والفائت أحدها أولى ، وإليه مال الحلواني وقال إنه الصحيح عنده ، وكذا نسبه شمس الأئمة السرخسي إلى أكثر مشايخنا ، ثم قال : والصحيح عندي أن هذا قولهم جميعا : يعني عدم الفساد في الباقي ; لأن أبا حنيفة في نظائر هذه المسألة إنما يفسد العقد في الكل لوجود العلة المفسدة ، وهو أنه جعل قبول العقد فيما يفسد فيه العقد شرطا في قبوله في الآخر وهنا لم يوجد هذا فإنه ما شرط قبول العقد في المعدوم ولا قصد إيراد العقد على المعدوم بل على الموجود فقط فغلط في العدد ، بخلاف تلك المسألة فإنه جعل قبول العقد في كل من الثوبين شرطا لقبوله في الآخر وهو شرط فاسد .

وأقول : قوله ما شرط قبول العقد في المعدوم إن كان صريحا معلوما ولا يضر ، فإن في الثوبين أيضا ما شرط قبوله في المروي صريحا ، وإنما المقصود أنه إذا أضاف العقد إلى متعدد صفقة كان قبول العقد في كل شرطا في قبوله في الآخر كما في الثوبين ، ولا شك أن في العشرة أيضا كذلك ، فكان قبوله في العاشر شرطا لقبوله فيما سواه ولا وجود للعاشر ، فكان قبوله في المعدوم شرطا إلى آخره .

وحاصل قوله وما قصده إلى آخره ما أشار إليه المصنف وهو أن الشيئين الموجودين الموصوفين بوصف إذا دخلا في عقد واحد كان قبول كل منهما بذلك الوصف شرطا للقبول في الآخر بذلك الوصف ، فإذا انعدم ذلك الوصف في أحدهما كان [ ص: 278 ] ذلك شرطا فاسدا في القبول في الآخر ، بخلاف ما إذ كان معدوما بذاته ووصفه فإنه ليس حينئذ داخلا في العقد حتى يكون قبوله شرطا لصحة العقد في الآخر ; لأنه معدوم فيجعل ذلك غلطا ، فلما لم يجعل شرطا لم يفسد العقد في الآخر .

فقد ظهر أن محط الفرق في اعتبار الغلط وعدمه ، ولا شك أن اعتبار الغلط إنما يتأتى من جهة البائع على معنى أنه إنما أوجب في تسعة ; ولكنه عبر عنها بعشرة غلطا ، فالمشتري لما قبل في عشرة ما كان غالطا فما تلاقى الإيجاب والقبول ، كما لو عزل تسعة أثواب من العشرة وقال بعتك هذه التسعة فقال قبلت في العشرة لا يتم العقد في التسعة ولا العشرة ، وإن كان معنى غلطه أنه قصد الإيجاب في عشرة وليس في الواقع إلا تسعة لم يفسد الصحة ; لأن المعقود عليه معدوم وقد جعل قبول العقد فيه شرطا لقبوله في التسعة ، وهذا لأنه جاد في اعتقاد قيام العشرة فإن لم يكن في ملكه فأحرى أن يكون البيع باطلا كما ذكر فيمن باع كرا من حنطة وليس في ملكه حنطة البيع باطل ، ولأنه باع ما ليس عنده .

وفي المحيط : روى قاضي الحرمين أن العقد فاسد في الفصل الأول ، وفيه أبيعك هذه الحنطة على أنها أقل من كر فوجدها كذلك جاز ، إلا في رواية عن أبي يوسف ، وإن وجدها كرا أو أكثر فالبيع فاسد ، وكذا إذا قال على أنها أكثر من كر فوجدها كذلك ، وإن وجدها كرا أو دونه ففاسد ، ولو قال كرا أو كرين جاز كيف ما كان غير أنه يخير في الأقل ، كما لو قال على أنها كر ، وعلى هذا إذا اشترى عنبا في كرم معين على أنه كذا وكذا منا ، وكذا في العدديات المتقاربة انتهى . ووجه الفساد في الأكثر أنه لا يعلم قدر الزائد فإنه ليس للأقل من الكر والأكثر منه مقدار معين ليعرف الزائد عليه فيرد إلى البائع ، بخلاف ما إذا قال كرا أو كرين ، ولا وجه للرواية عن أبي يوسف ; لأن غاية ما في ذلك أنه باع صبرة بشرط أن لا تبلغ المقدار الفلاني ، والله أعلم




الخدمات العلمية